الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ }

قال عز وجل: { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرّيَـٰحَ } يعني: ومن علامات وحدانيته أن يعرفوا توحيده بصنعه أن يرسل الرياح { مُبَشّرٰتٍ } بالمطر ويقال يستبشر بها الناس ويقال فإذا كان الاستبشار به ينسب الفعل إليه { وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ } يعني: ليصيبكم من نعمته وهو المطر { وَلِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } يعني: السفن تجري في البحر بالرياح بأمره { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } يعني: لتطلبوا في البحر من رزقه كل هذا بالرياح { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } رب هذه النعم فتوحدوه { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } يا محمد { رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } بالأمر والنهي فكذبوهم كما كذب قومك { فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } بالعذاب يعني: من الذين كفروا { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا } يعني: واجباً علينا { نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } بالنجاة مع رسولهم وإنما هو وجوب الكرم لا وجوب اللزوم ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال الله عز وجل: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } يعني: تدفعه وتهيجه يقال ثار الغبار إذا ارتفع { فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَاء كَيْفَ يَشَاء } يعني كيف يشاء الله عز وجل إن شاء بسطه مسيرة يوم أو أكثر { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } يعني: قطعاً { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } يعني: المطر يخرج من خلاله من وسط السحاب { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ } يعني: بالمطر { مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يعني: يفرحون بنزول المطر عليهم قرأ ابن عامر كسفاً بالجزم وقرأ الباقون بالنصب ثم قال عز وجل: { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } أي: من قبل نزول المطر عليهم لمبلسين يعني: آيسين من المطر، وقال الأخفش: تكرير قبل للتأكيد، وقال قطرب: الأول للتنزيل والثاني للمطر ثم قال: { فَٱنظُرْ إِلَىٰ ءاثَـٰرِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ } يعني: ألوان النبات من أثر المطر منه الأخضر والأحمر والأصفر قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وابن عامر إلى آثار رحمة الله بلفظ الجماعة قرأ الباقون بلفظ الوحدان لأن الوحدان يغني عن الجمع ثم قال: { كَيْفَ يُحْيىِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } حين لم يكن فيها نبات { إِنَّ ذٰلِكَ } يعني: هذا الذي فعل { لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ } في الآخرة { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } يعني: الزرع متغيّراً بعد خضرته { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } يعني: لصاروا وأصله العمل بالنهار ويستعمل في موضع صار كقوله أصبح وأمسى يوضع موضع صار من بعده يكفرون أي من بعد اصفراره يكفرون النعم يقول لو فعلت ذلك لفعلوا هكذا، ويقال: قوله فرأوه إشارة إلى النبات لأن الريح مؤنثه وإنما أراد ما ينبت بالمطر، ويقال: معناه أنهم يستبشرون إذا رأوا الغيث ويكفرون إذا انقطع عنهم النبات ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال: { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ }.