الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ }

قوله عز وجل: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً } أي: أخلص دينك الإسلام للدين حنيفاً يعني: للتوحيد مخلصاً ويقال: يذكر الوجه ويراد به هو فكأنه يقول: فأقم الدين مخلصاً ويقال: معناه فأقبل بوجهك إلى الدين وأقم عليه حنيفاً أي مخلصاً مائلاً إليه ويقال: أخلص دينك وعملك لله تعالى وكن مخلصاً ثم قال { فِطْرَةَ ٱللَّهِ } يعني: اتبع دين الله ويقال اتبع ملة الله ويقال الفطرة الخلقة يعني خلقة الله { ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } أي خلق البشر عليها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسبون فيها من جدعاء " وروي عن أبي هريرة أنه قال: " اقرأوا إن شئتم (فطرة الله الذي فطر الناس عليها) " يعني خلق الناس عليها وفي الخبر أنه قال " كل مولود يولد على الفطرة لأنه شهد يوم الميثاق " ثم قال: { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } يعني: لا تغيير لدين الله ويقال لا تبديل لخلق الله عندما خلق الله الخلق لم يكن لأحد أن يغير خلقته ثم قال: { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيّمُ } يعني: التوحيد هو الدين المستقيم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: كفار مكة لا يعلمون بتوحيد الله. قوله عز وجل: { مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } انصرف إلى قوله { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } يعني: فأقبل بوجهك منيباً إليه ويجوز أن يخاطب الرئيس بلفظ الجماعة لأن له أتباعاً وإنما يراد به هو وأتباعه كما قال:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [الطلاق: 1] منيبين إليه يعني: راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد { وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: وأتموا الصلوات الخمس { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } على دينهم { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } يعني: تركوا دين الإسلام الذي أمروا به { وَكَانُواْ شِيَعاً } فجعلوه أدياناً يعني: تركوا دينهم وصاروا فرقاً اليهود والنصارى والمجوس قرأ حمزة والكسائي فارقوا بالألف وقرأ الباقون فرقوا بغير ألف فمن قرأ فارقوا يعني: تركوا دينهم، ومن قرأ فرقوا دينهم يعني: افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة، والنصارى اثنين وسبعين فرقة، والمسلمون ثلاثة وسبعين فرقة { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } يعني: كل أهل دين بما عندهم من الدين راضون قوله عز وجل: { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } يعني: إذا أصاب الكفار شدة { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } يعني: منقلبين إليه بالدعاء عند الشدة والقحط { ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً } يعني: إذا أصابهم من الله نعمة وهي السعة في الرزق والخصب { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } يعني: تركوا توحيد ربهم في الرخاء وقد وحدوه في الضراء قوله عز وجل: { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتَيْنَـٰهُمْ } قال مقاتل تقول: أذاقهم رحمة لئلا يكفروا بالذي أعطاهم من الخير ويقال كانت النعمة سبيلاً للكفر فكأنه أعطاهم لذلك كما قال

السابقالتالي
2