الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي بعدما ظهر لهم العلامات { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فإن قيل: في ظاهر الآية: أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالماً لا يهديه الله، وقد رأينا كثيراً من المرتدين، أسلموا وهداهم الله وكثيراً من الظالمين تابوا عن الظلم. قيل له: لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يُقْبِلُون إلى الإسلام، فأما إذا جاهدوا وقصدوا الرجوع وفقهم الله لذلك لقوله:وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [سورة العنكبوت: 69] وتأويل آخر: { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ } ، يقول كيف يرشدهم إلى الجنة كما قال في آية:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } [النساء: 168] ويقال: كيف يرحمهم الله وينجيهم من العقوبة. ويقال: كيف يغفر الله لهم. وقالت المعتزلة: " كَيْفَ يَهْدِي الله " معناه، كيف يكونون مهتدين لأنهم لا يرون الهداية والإهتداء في الإبتداء، إلا على سبيل الجزاء ويرون ذلك من كسب العبد. ثم قال: { أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ } يعني أهل هذه الصفة التي ذكر { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } أي سخط الله، ويقال: الطرد والتبعيد من رحمة الله والخذلان، ويقال: يلعنهم بالقول { وَٱلْمَلاَئِكَةُ } يعني عليهم لعنة الله والملائكة { وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } إذا لعن رجل رجلاً، فإن لم يكن أَهْلاً لذلك رجعت اللعنة إلى الكفار. ويقال: من لم يكن على دينهم، يلعنهم في الدنيا، ومن كان على دينهم يلعنهم في الآخرة لقوله تعالى:يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [سورة العنكبوت: 25] فذلك قوله تعالى: { وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }. ثم قال تعالى: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني في اللعنة. فيما توجبه اللعنة، وهو عذاب النار خالدين فيها { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي لا يهون عليهم العذاب { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يؤجلون، ثم استثنى التوبة فقال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } يقول: من بعد الكفر، وأصلحوا أعمالهم بالتوبة. ويقال: أصلحوا لمن أفسدوا من الناس { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما كان منهم في الكفر رحيم بهم بعد التوبة. قال الكلبي ومقاتل: لما نزلت هذه الآية أي الرخصة بالتوبة، كتب أخو الحارث بن سُوَيْد إلى الحارث: إن الله قد عرض عليكم التوبة، فرجع وتاب، وبلغ ذلك إلى أصحابه الذين بمكة، فقالوا: إن محمداً تتربص به ريب المنون، فقالوا: نقيم بمكة على الكفر متى بدا لنا الرجعة رجعنا فينزل فينا ما نزل في " الحارث " فتقبل توبتنا فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } أي ثبتوا على كفرهم بقولهم: نقيم بمكة ما بدا لنا { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ما أقاموا على الكفر.

السابقالتالي
2