الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ } قرأ حمزة والكسائي بالياء، [أي جبريل] ـ عليه السلام ـ وإنما صار مذكراً على معنى الجنس كما يقال: فلان ركب السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، وقرأ الباقون " فنادته " على معنى التأنيث، لأن اللفظ لفظ الجماعة، والمراد به أيضاً جبريل { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ }. قرأ حمزة وابن عامر " إن الله يبشرك " بكسر الألف، ومعناه فنادته الملائكة وقالوا له إن الله يبشرك وقرأ الباقون بالنصب ومعناه: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك بيحيـى. قال مقاتل: اشتق اسمه من اسم الله تعالى والله تعالى حي فسماه الله تعالى يحيـى، ويقال: لأنه أحيا [به] رحم أمه. ويقال: لأنه حي به المجالس. [ويقال غير ذلك بيحيى بأن الله يحييه فيكون حياً عند الله أبداً لأنه شهيد، قال الله تعالى:وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ } [آل عمران: 169]]. ثم قال تعالى: { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني بعيسى ـ عليه السلام ـ وكان يحيـى أول من صدق بعيسى - عليهما السلام - وهو ابن ثلاث سنين فشهد له: أنه كلمة الله وروحه، فلما شهد بذلك يحيـى عجب بنو إسرائيل لصغره فلما [شهد] سمع زكريا شهادته، فقام إلى عيسى فضمه إليه وهو في خرقه، وكان يحيـى أكبر من عيسى بثلاث سنين. وقال بعضهم: صدقه وهو في بطن أمه، كانت أم يحيـى عند مريم إذ سجد يحيـى بالتحية لعيسى، وكل واحد منهما كان في بطن أمه وذلك قوله: مصدقاً بكلمة من الله { وَسَيِّدًا } يعني حكيماً { وَحَصُورًا } يعني لا يأتي النساء وهو قول الكلبي. وقال سعيد بن جبير: السيد الذي يملك غضبه، والحصور الذي لا يأتي النساء، وقال مقاتل: يعني لا ماء له، يعني أن: يحيـى لم يكن له ماء في الصلب، وقال بعضهم: هذا لا يصح، لأن العنة عيب بالرجال والنبي. لا يكن معيباً، ولكن معناه، أنه كان مانعاً نفسه من الشهوات، لأن الذي يمنع [نفسه] من الشهوات مع قدرته، كانت فضيلته أكثر من الذي لا قدرة له. ثم قال تعالى: { وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يعني أن يحيـى كان نبياً من الصالحين فلما بشره جبريل بذلك: { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } ، قال ذلك على وجه التعجب لا على وجه الشك، قال لجبريل: رب أي يا سيدي: من أين يكون لي غلام يعني ولد، وهذا قول الكلبي. وقال بعضهم قوله: رب، يعني قال: يا الله على وجه الدعاء يا رب من أين يكون لي ولد، { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } قال القتبي: هذا من المقلوب يعني بلغت الكبر. وقال الكلبي كان يوم بشر ابن تسعين سنة وامرأته قريبة في السن منه، وقال الضحاك: كان ابن مائة وعشرين سنة، فذلك قوله: { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } أي الهرم، { وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } لا تلد، { قَالَ كَذٰلِكَ } قال بعضهم: تم الكلام عند قوله كذلك، يعني، هكذا كما قلت: إنه قد بلغك الكبر، وامرأتك عاقر، ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } وقال بعضهم: معناه، قال كذلك، يعني: الله تعالى، هكذا قال: أنه يكون لك ولد، والله يفعل ما يشاء إن شاء أعطاك الولد في حال الصغر وإن شاء في حال الكبر.