ثم قال تعالى: { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } أي بعضهم على إثر بعض، ويقال: بعضهم على دين بعض. { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لقولهم " عليم " ، بهم وبدينهم، ويقال قوله: { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } انصرف إلى ما بعده، أي سميع بقول امرأة عمران. { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرٰنَ } وهي حنة أم مريم امرأة عمران بن ماثان وذلك أنها لما حبلت، قالت: لئن نجاحي الله، ووضعت ما في بطني لأجعلنه محرراً، والمحرر من لا يعمل للدنيا، ولا يتزوج، ويتفرغ لعمل الآخرة ويلزم المحراب، فيعبد الله تعالى فيه، وهذا قول مقاتل. وقال الكلبي: محرراً أي خادماً لبيت المقدس، ولم يكن محرراً إلا الغلمان، فقال لها زوجها: إن كان الذي في بطنك أنثى، والأنثى عورة، فكيف تصنعين؟ فاهتمت بذلك وقالت: يا { رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ } وأنت تعلم { مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [السميع لدعائي العليم] بنيتي وما في بطني. { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } أي ولدت فإذا هي أنثى { قَالَتْ: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ } [يعني ولدتها] جارية { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ }. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " والله أعلم بما وَضَعْتُ " بجزم العين وضم التاء، يعني أن المرأة قالت: والله أعلم بما وَضَعْتُ، والباقون بنصب العين وسكون التاء، فيكون هذا قول الله: إنه [يعلم] بما وضعت تلك المرأة. ثم قال تعالى: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنثَىٰ } [في الخدمة] قال بعضهم هذا قول الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وليس الذكر كالأنثى يا محمد. وقال بعضهم: هي كلمة المرأة: أنها قالت: وليس الذكر كالأنثى [في الخدمة، وقال مقاتل: فيها تقديم، فكأنه يقول: قالت رب إني وَضعَتُهَا أُنْثى وليس الذكر كالأنثى] والله أعلم بما وضعت. ثم قالت: { وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } يعني خادم الرب بلغتهم { وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ } يعني أعصمها وأمنعها بك: { وَذُرِّيَّتَهَا } إن كان لها ذرية { مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } يعني الملعون. ويقال: المطرود من رحمة الله، ويقال: الرجيم بمعنى المرجوم كما قال:{ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَـٰطِينِ } [الملك: 5]. حدثنا أبو الليث قال: حدثنا الخليل بن أحمد القاضي، قال: حدثنا أبو العباس، قال حدثنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما من مولود يولد إلا والشيطان ينخسه حين يولد فيستهل صارخاً من الشيطان، إلا مريم وابنها عيسى - عليهما السلام - " ، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ }. وقال الزجاج: معنى قوله: " إِذ " يعني، إن الله اختار آل عمران، إذ قالت امرأة عمران: واصطفاهم إذ قالت الملائكة وقال أبو عبيدة: معناه قالت امرأة عمران، وقالت الملائكة و " إذ " زيادة وقال الأخفش: معناه، واذكر إذ قالت [امرأة عمران واذكر إذ قالت] الملائكة.