الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ }. قال ابن عباس في رواية أبي صالح نزلت في شأن المنافقين، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة، قال عبد الله بن أبي [رأس] المنافقين: [إن محمداً] يتمنى أن ينال ملك فارس والروم وأنَّى له ذلك؟ فنزلت هذه الآية. وقال بعضهم: سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته، فعلمه الله بأن يدعو بهذا الدعاء، وهو قول مقاتل. وقال بعضهم: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بحفر الخندق فظهر في الخندق صخرة عجزوا عن حفرها، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المعول، وضرب ضربة فظهر من تلك الصخرة نور فقال له سلمان، رأيت شيئاً عجيباً. فقال له النبي: هل رأيت ذلك؟ قال: نعم. فقال: رأيت في ذلك النور قصور أهل الشام. ثم ضرب ضربة أخرى فظهر أيضاً كذلك. فقال: رأيت قصور أهل فارس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سيظهر لأمتي ملك الشام، وملك فارس " ، فقال المنافقون: إن محمداً لا يأمن على نفسه واضطر إلى حفر الخندق، فكيف يتمنى ملك الشام وفارس فنزلت هذه الآية. وقال بعضهم: إن مشركي مكة قالوا: إن فارس والروم يبيتان في الحرير والديباج، فلو كان هو نبياً، كيف ينام على الحصير؟ فنزلت هذه الآية. { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَاء } وأصل اللهم في اللغة يا الله أمنا بخير أي اقْصِدْنا بالرحمة، ولكن لما كثر استعمال هذا اللفظ في الناس، صارت الكلمتان [ككلمة] واحدة [فقال]: { ٱللَّهُمَّ } ، يعني: اللهم يا مالك الملك تؤتي الملك من تشاء يعني تؤتي محمداً - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعه: { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء } من فارس والروم { وَتُعِزُّ مَن تَشَاء } يعني أهل الإسلام { وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } يعني أهل الشرك والطغيان، { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } يعني النصرة والغنيمة والعز، { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من الذل والعز. وقال الضحاك: " تؤتي الملك من تشاء " يعني الإسلام، " وتعز من تشاء " بالإسلام، " وتذل من تشاء " بالشرك، " بيدك الخير " ، يعني الهداية والسعادة، " إنك على كل شيء قدير " وقال الزَّجَّاج: " تؤتي الملك من تشاء " معناه، تولي الملك من تشاء أن تؤتيه وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه، إلا أنه حذف " الهاء " لأن في الكلام دليلاً عليه قال مقاتل: وقد قيل في الملك قولان: أحدهما هو المال والعبيد، والآخر من جهة الغلبة بالدين. ثم قال تعالى: { تُولِجُ ٱلَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } يعني ما نقص من الليل دخل في النهار حتى يبلغ خمسة عشرة ساعة، هو أطول ما يكون، والليل تسع ساعات وهو أقصر ما يكون { وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيْلِ } يعني أن ما نقص من النهار دخل في الليل حتى يصير الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات، وهو قول الكلبي، ويقال: { تُولِجُ ٱلَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ } أي تذهب بالليل وتجيء بالنهار وتذهب بالنهار وتجيء بالليل، هكذا إلى أن تقوم الساعة، ثم قال: { وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ }.

السابقالتالي
2