الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ثم ذكر مرجع المؤمنين ومصيرهم فقال: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } أي اتقوا الشرك والفواحش ووحّدوا، { رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً } لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها أبداً { نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } يقول ثواباً من عند الله للمؤمنين الموحدين خاصة. { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } الجنة { خَيْرٌ لّلأَبْرَارِ } من الدنيا للمؤمنين المطيعين. { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } يعني مؤمني أهل الكتاب، معناه، من أهل الكتاب من آمن بالله فصدق بقوله: { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } من القرآن وصدق { وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } من التوراة والإنجيل يعني على أنبيائهم، فذكر حالهم وبين ثوابهم لكي يرغب غيرهم من أهل الكتاب ليؤمنوا إذا علموا بثوابهم، ثم نعتهم فقال تعالى: { خَـٰشِعِينَ للَّهِ } أي متواضعين لله، والخشوع: أصله التذلل وكذلك الخضوع، وقد فرق بعض أهل اللغة بين الخشوع والخضوع، فقال: الخضوع في البدن خاصة، والخشوع يكون في البدن والبصر والصوت والقلب كما قال الله تعالى:وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [طه: 108] وقال:خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } [القلم: 43]. ثم قال تعالى: { لاَ يَشْتَرُونَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني عرضاً يسيراً كفعل اليهود، { أُوْلـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } أي ثوابهم { عِندَ رَبّهِمْ } الجنة { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي شديد العقوبة ويقال: سريع الحفظ والتعريف. { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ } أي اصبروا على البلاء والجهاد وأداء الفرائض، وعن المعاصي. { وَصَابِرُواْ } مع نبيكم - صلى الله عليه وسلم - على عدوكم حتى يدعوا دينهم إلى دينكم، يعني يتركوا الشرك، ويدخلوا في الإيمان { وَرَابِطُواْ } مع عدوكم ما أقاموا وهذا قول الكلبي. وقال عكرمة: اصبروا على البلاء وعلى طاعة الله " وصابروا " أهل الضلالة " ورابطوا " الخيول. وقال الزجاج: اصبروا على دينكم وصابروا على عدوكم، ورابطوا أي أقيموا على جهادكم بالحرب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في جميع ما أمركم ونهاكم. وقال القتبي: أصل المرابطة: أن يربطوا خيولهم في الثغر. { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يقول: تفوزون وتأمنون النار وتنجون منها، ويقال: أصل الفلاح البقاء بالنعمة، ويقال: الفلاح أن يبلغ الإنسان نهاية ما (يؤمل). والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين آمين.