الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } قال في رواية الكلبي: وذلك " أن أبا سفيان حين رجع من أُحد نادى فقال: يا محمد إن الموعد بيننا وبينك موسم بدر الصغرى، فقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر: " قل له: ذلك بيننا وبينك إن شاء الله تعالى " ، ثم ندم أبو سفيان فقال لنعيم بن مسعود، وكان يخرج إلى المدينة للتجارة: إذا أتيت المدينة، فخوّفهم لكيلا يخرجوا، فلما قدم نعيم المدينة قال: إن أبا سفيان قد جمع خلقاً كثيرة، فكره أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج إليهم، وتثاقلوا، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم قال: " والذي نفسي بيده، لأخرجن إليهم، وإن لم يخرج معي منكم أحد " ، قال: فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [للميعاد] ومعه نحواً من سبعين رجلاً حتى انتهوا إلى ذلك الموضع وكان هنالك سوق فلم يخرج أحد من أهل مكة، فتسوقوا من السوق حاجتهم، وانصرفوا فنزل قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ }. { مِن بَعْدِ مَا أَصَـٰبَهُمُ ٱلْقَرْحُ } [يعني] أصابتهم الجراحات يوم أُحد { [لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ } أي الذين] أوفوا الميعاد { وَٱتَّقَوْاْ } السخط في معصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم { أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي ثواب كثير. { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } يعني " نعيم بن مسعود " وإنما أراد به جنس الناس وكان رجلاً واحداً { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } يعني أبا سفيان وأصحابه { فَٱخْشَوْهُمْ } ولا تخرجوا إليهم { فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً } أي تصديقاً ويقيناً وجرأة على القتال { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } أي ثقتنا بالله، وأيقنوا أن الله لا يخذل محمداً - صلى الله عليه وسلم - { وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } أي نعم الثقة لنا، { فَٱنْقَلَبُواْ } انصرفوا { بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } أي بأجر من الله { وَفَضَّلَ } يعني ما تسوقوا به من السوق، واشتروا الأشياء بسعر رخيص { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } يعني قتال { وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } أي ذو مَنٍّ عظيم، وقال في رواية الضحاك: كان ذلك يوم أُحد، لما انهزمت قريش، ونزلت في مواضع وكثرت الجراحات في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إليهم فأجابه سبعون رجلاً فنزلت هذه الآية. قوله تعالى: { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ } يعني نعيم بن مسعود، لأن كل عات متمرد شيطان يخوف أولياءه يعني بأوليائه الكفار. ويقال: يخوف أشكاله. وقال الزجاج: { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي ذلك التخويف عمل الشيطان يخوفكم من أوليائه. وقال القتبي: يخوف أولياءه أي بأوليائه، أي كما. قال تعالى:لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا } [الكهف: 2] يعني لينذركم: ببأس شديد. ثم قال تعالى: { فَلاَ تَخَافُوهُمْ } في الخروج { وَخَافُونِ } في القعود { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي مصدقين. قال الزجاج: معناه إن كنتم مصدقين، فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم.