الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم " يَغُل " بنصب الياء، وقرأ الباقون [ " يُغَل " بضم الياء] ونصب الغين. فمن قرأ بالنصب معناه: وما كان لنبي أن يخون في الغنيمة، ومن قرأ بالضم، فمعناه: لا ينسب إلى الغلول وذلك أنه لما كان يوم أحد أخذوا في النهب والغارة، وتركوا القتال وخافوا أن تفوتهم الغنيمة وظنوا أن من أخذ شيئاً يكون له، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقسم لهم، فنزلت هذه الآية: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } ، يقول: ما جاز لنبي أن يخون في الغنيمة، وما جاز لأصحابه أن ينسبوه إلى الخيانة، { وَمَن يَغْلُلْ } (أي يخن) في الغنيمة { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعني يحمله على ظهره. وهذا كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لأعرفن أحدكم يوم القيامة يأتي على عنقه شاة لها ثغاء [فيقول]: يا محمد فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً، يريد أن من غل شاة أو بقرة أتى بها يوم القيامة يحملها. ويقال: من غلّ شيئاً في الدنيا، يمثل له يوم القيامة في النار، ثم يقال له: انزل إليه فَخُذْه، فيهبط إليه، فإذا انتهى إليه حمله، فكلما انتهى به إلى الباب سقط منه إلى أسفل جهنم، فيرجع فيأخذه، فلا يزال (كذلك) ما شاء الله. ويقال: يأت بِمَا غَلَّ: يعني تشهد عليه يوم القيامة تلك الخيانة والغلول. ويقال: هذا على سبيل (التمثيل) يأت بما غل { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي بوباله فيكون وباله على عنقه، كما قال في آية أخرى:وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [الأنعام: 31]. ثم قال تعالى: { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } أي توفى وتجازي كل نفس { مَّا عَمِلَتْ } من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً. { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } قال الكلبي: يعني أفمن أخذ الحلال من الغنيمة { كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يعني: كمن استوجب سخطاً من الله بأخذ الغلول من الغنائم. ثم بين مستقر كل من غل (يوم القيامة)، ومن أخذ من الحلال فقال لمن غل: { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } الذي صاروا إليه يعني النار. وقال (في حق من) أخذ الحلال: { هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } يعني لهم درجات في الجنة عند الله [ويقال: هم ذوو درجات عند الله]. { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي بمن غل وبمن لم يغل. وقال القتبي: هي طبقات - عند الله - في الفضل، فبعضهم أرفع من بعض. وقال أبو عبيدة والكسائي: لهم درجات عند الله. ويقال: لمن لم يغل درجات في الجنة، ولمن غل درجات في النار.