الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ } * { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

ثم نزل في المنهزمين قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ } أي الذين انهزموا منكم { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } يعني جمع المسلمين وجمع المشركين { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } قال القتبي: " استزلهم " أي طلب زلتهم، كما يقال: استعجلت فلاناً، أي طلبت عجلته، واستعملته، أي طلبت عمله. ويقال: زَيَّن لهم الشيطان { بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } يعني: الذي أصابهم كان بأعمالهم، كما قال في آية أخرى:وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30]. { وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } حيث لم يستأصلهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لذنوبهم { حَلِيمٌ } إذ لم (يعجل عليهم بالعقوبة). قال: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا السراج، قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو بكر " عن غيلان بن جرير، أن عثمان كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال له عبد الرحمن: أتسبُّني وقد شهدت بدراً، ولم تشهدها، وبايعتُ تحت الشجرة ولم تُبَايع، وقد كنت توليت فيمن تولى يوم الجمع، أي يوم أحد فرد عليه عثمان وقال: أما قولك: إنك شهدت بدراً ولم أشهدها، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت [مريضة] فكنت معها أُمرِّضها وضرب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسهم في سهام المسلمين، وأما بيعة الشجرة، فبعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداً على المشركين بمكة، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه على شماله قال: " هذه لعثمان " فيمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خير من يميني وشمالي. وأما يوم الجمع فقال الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ، إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } فكنت فيمن عفى الله عنهم، فخصم " عثمان " " عبد الرحمن بن عوف " ، ثم قال تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: منافقي أهل الكتاب، { وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ } من المنافقين { إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني: إذا ساروا في الأرض تجاراً مسافرين فماتوا في سفرهم { أَوْ كَانُواْ غُزًّى } يعني خرجوا في الغزو فقتلوا. قال القتبي: غزّاً جمع غاز، مثل صائم وصُوَّم، ونائم ونوم { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } بالمدينة { مَا مَاتُواْ } في سفرهم { وَمَا قُتِلُواْ } في الغزو { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } الظن { حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } ، ويقال: جعل الله ذلك القول حسرة في قلوبهم لأنه ظهر نفاقهم، وقال الضحاك: ليجعل الله ذلك حسرة في قلوب المنافقين، لأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في أشجار الجنان حيث شاءت، وأرواح قتلى المنافقين في حواصل طير سُودٍ تسرح في الجحيم ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي يحيي في السفر ويميت في الحضر، ويحيي في الحضر ويميت في السفر، ويقال: والله يحيي قلوب المؤمنين، ويميت قلوب الكافرين، يحيي قلوب المؤمنين بالنصرة والخروج إلى الغزو، ويميت قلوب المنافقين بالتخلف (وظن السوء) وقال الضحاك: يعني يحيى من أحيى من نطفة بقدرته، ويميت من أمات بعزته، وسلطانه.

السابقالتالي
2