{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } وذلك أنهم لما أخذوا في الحرب انهزم المشركون فلما أَخَذ بعض المسلمين في النهب والغارة رجع الأمر عليهم، وانهزم المسلمون، فذلك قوله: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ }. { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يقول: تقتلونهم بأمره. وقال القتبي: تحسونهم: يعني تستأصلونهم بالقتل، يقال: جراد محسوس إذا قتله البرد { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِي ٱلأمْرِ } يعني، جَبُنْتُمْ من عدوكم واختلفتم في الأمر { وَعَصَيْتُمْ } أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - { مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ } يعني أراكم الله [ { مَّا تُحِبُّونَ } يعني] من النصر على عدوكم وهزيمة الكفار والغنيمة. [ثم قال]: { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا } أي يطلب الغنيمة { وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } وهم الذين ثبتوا عند المشركين [حتى قتلوا]. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: كنا لا نعرف أن أحداً منا يريد الدنيا حتى نزلت " هذه الآية، فَعَلِمْنا أن فينا من يريد الدنيا ". { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } بالهزيمة من بعد أن أَظْفَركم عليهم { لِيَبْتَلِيَكُمْ } بمعصية [الرسول] بالقتل والهزيمة. { وَلَقَدْ عَفَا } الله { عَنْكُمْ } ولم يعاقبكم عند ذلك فلم تقتلوا جميعاً { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ } في [عفوه] وإنعامه { عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [بالعفو والإنعام]: { إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني إلى الجبل هاربين حيث صعدوا الجبل منهزمين من العدو، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم " يا معشر المسلمين، أنا رسول الله " ، فلم يلتفت إليه أحد، حتى أتوا على الجبل [فذلك قوله تعالى: { إِذْ تُصْعِدُونَ } يعني الجبل] وهذا قول الكلبي. وقال الضحاك: إذ تصعدون في الوادي منهزمين. وقال القتبي: يعني تبعدون في الهزيمة، يقال: أصعد في الأرض إذا (أمعن) في الهزيمة. وقرأ الحسن: " تَصْعَدُون " بنصب التاء، أي تَصْعَدُون الجبل وقرأ العامة بالضم. { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } يقول ولا تقيمون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال: لا يقيم بعضكم على بعض { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } يقول: مِنْ خَلْفِكم: { فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ } يقول: جعل ثوابكم غماً على أثر الغم ويقال: جزاكم غماً على أثر الغم، ويقال: غماً متصلاً بالغم فأما الغم الأول: فإشراف خالد بن الوليد بخيل المشركين، وهم في ذلك الجبل، قاله الكلبي: وقال مقاتل: الغم الأول ما فاتهم من الفتح والغنيمة فاجتمعوا، وكانوا يذكرون فيما بينهم ما أصابهم في ذلك اليوم، والغم الثاني: إذ صعد " خالد بن الوليد " فلما عاينوه، أَذْعَرهُم ذلك أي خوفهم فأنساهم ما كانوا فيه من الحزن فذلك قوله تعالى: { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من الفتح والغنيمة { وَلاَ مَا أَصَـٰبَكُمْ } من القتل والهزيمة. ويقال: الغم الأول: الجُرح والقتل، والغم الثاني: أنهم سمعوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قتل، فأنساهم الغم الأول.