الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ } حُسِّن وحُبِّب إليهم، وقد يكون التزيين من الله تعالى كما قال في آية أخرىزَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 4] وقد [كان] من الشيطان كما قال في آية أخرىوَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } [النمل: 24] فأما التزيين من الله تعالى فهو على وجهين: يكون على [جهة] الامتحان للمؤمنين مع العصمة، وقد يكون للكفار على [جهة] العقوبة مع الخذلان، وأما التزيين من الشيطان [فهو على جهة] الوسوسة، فقال: زين للناس حب الشهوات { مِنَ ٱلنِّسَاء وَٱلْبَنِينَ } بدأ بالنساء، لأن فتنة النساء أشد من فتنة جميع الأشياء كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما تركت لأمتي فتنة أشد من فتنة النساء " ولأن النساء فتنتهن ظاهرة من وقت آدم عليه السلام إلى يومنا هذا. ويقال: في النساء فتنتان وفي الأولاد فتنة واحدة إحداهما: أنها تؤدي إلى قطيعة الرحم، لأن المرأة تأمر زوجها بقطيعة الرحم عن الأمهات والأخوات والثانية: يبتلي بجمع المال من الحلال والحرام. وأما البنون: فإن الفتنة فيهم واحدة وهي ما ابتلي به من جمع المال لأجلهم فذكر البنين، وأراد به الذكور والإناث. وقال بعض الحكماء: أولادنا فتنة، إن عاشوا فتنونا وإن ماتوا أحزنونا. ثم قال تعالى: { وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } روي عن الفراء أنه قال: القناطير جمع قنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فيكون تسع قناطير، وروي عن [أبي عبيدة] أنه قال: المقنطرة [مُفَعَّلة من الورق] كما يقال: ألف مؤلفة، وبذر مبذرة، ويقال: المقنطرة: هي [المكيلة] ثم اختلفوا في مقدار القنطار: فروي عن مجاهد أنه قال: القنطار سبعون ألف دينا.ر وقال أبو هريرة: القنطار اثني عشر ألف أوقية. وقال معاذ بن جبل: ألف ومائتا أوقية. وقال بعضهم: مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ من ذهب، حكاه الكلبي وقال هو لغة رومية. وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن القنطار ما هو؟ فقال: هو مثل دية أحدكم. ثم قال تعالى: { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } يعني الراعية، كما قال في آية أخرى: { فِيهِ تُسِيمُونَ }. أي ترعون وهو قول سعيد بن جبير ومقاتل. وقال يحيى بن كثير: هي السمينة المصورة. وقال أبو عبيدة: المُعْلَمة { وَٱلأَنْعَـٰمُ } يعني الإبل والبقر والغنم { وَٱلْحَرْثِ } يعني الزرع، ذكر أربعة أصناف، كل نوع من [المال] يتمول به صنف من الناس، أما الذهب والفضة، فيتمول به التجار، وأما الخيل المُسَوَّمة فيتمول [بها] الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول به أهل الرساتيق، فيكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول به، وأما النساء والبنين فهي فتنة للجميع. ثم زهد في [ذلك كله] ورغب في الآخرة فقال تعالى: { ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي منفعة الحياة الدنيا تذهب ولا تبقى { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ } أي المرجع في الآخرة الجنة، لا تزول ولا تفنى.

السابقالتالي
2