الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } نزلت في شأن رجل تَمَّار، جاءت امرأة تشتري منه تمراً، فأدخلها في [حانوته] وقبلها ثم ندم على ذلك، فنزلت هذه الآية ويقال نزلت هذه الآية في رجل مَسّ امرأة أخيه في الله وكان أخوه خرج غازياً ثم ندم وتاب. ويقال: إنها نزلت في شأن بهلول النباش تاب عن صنيعه فنزلت هذه الآية، فقال تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } يعني الزّنا { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } يعني القُبْلَة (واللمس). ويقال: الفاحشة كل فعل يستوجب به الحد في الدنيا { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } ما دون ذلك. ويقال: الفاحشة: ما استوجب به النار { أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } ما استوجب به الحساب والحبس. وقال إبراهيم النخعي: الظلم ها هنا تفسير الفاحشة، فكأنه يقول: " والذين إذا فعلوا فاحشة وظلموا أنفسهم ". { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا الله، ويقال: ذكروا مقامهم بين يدي الله، ويقال: ذكروا عذاب الله { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } يعني الاستغفار باللسان، والندامة بالقلب. ويقال: الاستغفار باللسان بغير ندامة (القلب) توبة الكذابين. وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى الاستغفار الكثير. ثم قال تعالى: { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني لا يغفر الذنوب إلا الله. { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } يعني لم يقيموا على ما فعلوا من المعصية. { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنها معصية فلا يرجعون. ويقال: في الآية تقديم وتأخير فكأنه يقول: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله. { أُوْلَـٰئِكَ } يعني أهل هذه الصفة { جَزَآؤُهُمْ } يعني ثوابهم { مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } يعني نعم ثواب العاملين الجنة، وهو قول الكلبي. وقال مقاتل: نعم ثواب التائبين من الذنوب الجنة { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي قد مضت لكل أمة سنة ومنهاج فإذا اتبعوها رضي الله عنهم. قال الكلبي: قد مضت سنة بالهلاك فيمن كان قبلكم، فانظروا: أي فاعتبروا كيف كان جزاء المكذبين. وقال مقاتل: نحو هذا، وقال: يخوف الله هذه الأمة بمثل عذاب الأمم (السابقة). وقال السدي: { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي اقرءوا القرآن { فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } ، لأن من لم يسافر، فإنه لا يعرف ذلك. وأما من قرأ القرآن فإنه يعرف ذلك. وقال الحسن: اقرأوا القرآن وتدبروا فيه، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.