الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }

{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال الكلبي: أخبر الله تعالى أن خير الدين عند الله دين أهل الإسلام، ووصفهم بالوفاء، فقال تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }... يقول: (كنتم) خير أهل دين كان الناس لا يظلمون من خالطهم، منهم أو من غيرهم، فجعلهم الله خير الناس للناس، { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ويقال: خير أمة أُخْرِجَت للناس (تأمرون) بالمعروف (فتقاتلون) الكفار ليسلموا، فترجع منفعتهم إلى غيرهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " خير الناس من ينفع الناس " ويقال: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } يعني " كنتم " عند الله في اللوح المحفوظ، ويقال: كنتم مذ أنتم خير أُمَّة، ويقال: هذا الخطاب لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أنتم خير الأمة. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خَيْر القرون أصحابي ثم الذين يلونهم " ثم وصفهم فقال: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ، أي بالتوحيد والإسلام { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي عن الشرك { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي تصدقون بتوحيد الله، وتثبتون على ذلك. وقال الزجاج: " تؤمنون بالله " معناه تقرون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - نبي الله، لأن من كفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يوحد الله، لأنه يزعم أن الآيات المعجزات التي أتى بها من ذات نفسه. ثم قال تعالى: { وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } وهم اليهود والنصارى { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } من الإقامة على دينهم، { مّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وهم مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، ومن آمن من اليهود والنصارى { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } وهم كعب بن الأشرف وأصحابه، والذين لم يؤمنوا منهم { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } يعني باللسان، بالسب وغيره، وليس لهم قوة القتال { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ } يعني إن أعانوكم في القتال فلا منفعة لكم منهم لأنهم { يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } وينهزمون { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يقول: لا يُمْنَعون من الهزيمة فكأنه يحكي ضعفهم عن القتال، يقول: لو كانوا عليكم لا يضرونكم، ولو كانوا معكم لا ينفعونكم، وهذا حالهم إلى (يوم القيامة) وهم اليهود، ليس لهم شوكة ولا قوة القتال في موضع من المواضع، ويقال: { وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدُبَارَ } يعني: إن خرجوا إلى قتالكم وأرادوا قتالكم يولون الأدبار، أي ينهزمون منكم. ويقال: يُوَلُّوكم الأَدْبَار، يعني منهزمين، { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يقول: لا يُمْنَعون منكم وهو قول الكلبي.