قوله عز وجل: { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } يعني: الجنة { نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلأرْضِ } يعني: نعطيها للذين لا يريدون تعظيماً وتكبراً وتجبراً فيها عن الإيمان { وَلاَ فَسَاداً } في الأرض يعني: لا يريدون المعاصي في الدنيا وروى وكيع عن سفيان عن مسلم البطين لا يريدون علواً في الأرض يعني: التكبر بغير حق ولا فساداً قال أخذ المال بغير حق ويقال العلو الخطرات في القلب والفساد فعل الأعضاء { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } يعني: الجنة للذين يتقون الشرك والمعاصي ويقال عاقبة الأمر وما يستقر عليه للمتقين الموحدين ويقال في العاقبة المحمودة للمتقين قوله عز وجل: { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ } يعني: بكلمة الإخلاص وهي قول لا إله إلا الله { فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } وقد ذكرناه { وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى } يعني: لا يثاب { ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني: يصيبهم بأعمالهم قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ } يعني: أنزل عليك (القرآن) ويقال أمرك بالعمل بما في القرآن { لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الموت وقال السدي إلى معاد يعني الجنة وهكذا روي عن مجاهد وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال يعني إلى مكة وقال القتبي معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد وينصرف في الأرض ثم يعود إلى بلده والعرب تقول رد فلان إلى معاده يعني إلى بلده وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خرج من مكة إلى المدينة اغتم لمفارقته مكة لأنها مولده وموطئه ومنشأه وبها عشيرته واستوحش فأخبر الله تعالى في طريقه أنه سيرده إلى مكة وبشره بالظهور والغلبة ثم قال تعالى: { قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ } أي يعني: بالرسالة والقرآن وذلك حين قالوا إنك في ضلال مبين { وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } وذلك حين قالوا فنزل قل ربي أعلم من جاء بالهدى يعني: فأنا الذي جئت بالهدى وهو يعلم بمن هو في ضلال مبين نحن أو أنتم ثم قال عز وجل: { وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبُ } يعني: أن يلقى وينزل عليك القرآن { إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } ويقال في الآية تقديم ومعناه أن الذي فرض عليك القرآن يعني: جعلك نبياً ينزل عليك القرآن وما كنت ترجو قبل ذلك أن تكون نبياً بوحي إليك لرادك إلى معاد إلى مكة ظاهراً قاهراً ويقال إلا رحمة من ربك يعني لكن دين ربك رحمة واختارك لنبوته وأنزل عليك الوحي ثم قال: { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لّلْكَـٰفِرِينَ } يعني: عوناً للكافرين حين دعوه إلى دين ابائه { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني: لا يصرفنك عن آيات الله القرآن والتوحيد { بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } أي: بعد ما أنزل إليك جبريل عليه السلام بالقرآن { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبّكَ } يعني: أدع الخلق إلى توحيد ربك { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } يعني: لا تكونن مع المشركين على دينهم { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } أي: لا تعبد غير الله ثم وحد نفسه فقال { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } يعني: لا خالق ولا رازق غيره { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } يعني: تهلك جميع الأشياء إلا الله فإنه لم يزل ولا يزال ويقال كل شيء هالك إلا وجهه أي كل عمل هالك لا ثواب له إلا ما يراد به وجه الله عز وجل ويقال كل شيء متغير إلا ملكه فإن ملكه لا يتغير ولا يزال إلى غيره أبداً { لَهُ ٱلْحُكْمُ } أي له القضاء وله نفاذ الأمر والحكم على ما يريد { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يعني: إليه المرجع في الآخرة ليجازيكم بأعمالكم وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال