الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } * { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

{ قَالَ } موسى { رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ } يعني: بالمغفرة كقولهبِمَآ أَغْوَيْتَنِى } [الحجر: 39] يعني أما إذا أغويتني ثم قال: { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ } يعني (أعوذ بالله أن أكون) معيناً للكافرين لأن الإسرائيلي كان كافراً ولم يستثن على كلامه فابتلاه الله عز وجل في اليوم الثاني بمثل ذلك وكانوا لا يعرفون من قتل خباز الملك وكانوا يطلبون قاتله { فَأَصْبَحَ } موسى { فِى ٱلْمَدِينَةِ خَائِفاً } أن يؤخذ فيقتل { يَتَرَقَّبُ } يعني: ينتظر الطلب ويقال: ينتظر الأخبار { فَإِذَا ٱلَّذِى ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يعني: رأى الإسرائيلي كان يقاتل مع رجل آخر من القبط يستصرخه يعني: يستغيثه كقولهمَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } [إبراهيم:22] يعني: بمغيثكم { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } يعني: للإسرائيلي { إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ } يعني: ضال بين ويقال: جاهل بين ويقال: ظاهر الغواية وقد قتلت لك الأمس رجلاً وتدعوني إلى آخر ثم أقبل إليه فظن الذي من شيعته أنه يريده فذلك قوله تعالى { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } يعني يريد أن يضرب القبطي فظن الإسرائيلي أنه يريده بعد ما عاتبه قرأ أبو جعفر المدني يبطش بضم الطاء وقراءة العامة بالكسر ومعناهما واحد (فظن الإسرائيلي أن موسى يريد ضربه فـ) { قَالَ يَـا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } وقال بعضهم كان ذلك إبليس تشبه بالرجل الإسرائيلي ليظهر أمر موسى وقال بعضهم: كان ذلك الرجل بعينه فقال ذلك الرجل من الخوف { إِن تُرِيدُ } يعني: ما تريد { إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى ٱلأَرْضِ } يعني: قتالاً قال الكلبي: من قتل رجلين فهو جبار ويقال: إن من سيرة الجبابرة القتل بغير حق { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } يعني: المطيعين لله تعالى فلما قال الإسرائيلي هذا علم القبطي أن موسى هو قاتل القبطي فرجع القبطي فأخبرهم أن موسى هو القاتل فائتمروا بينهم بقتل موسى قال فأذن فرعون بقتله فجأه خزيلي وهو مؤمن من آل فرعون وأخبر موسى بذلك فذلك قوله { وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } يعني: من وسط المدينة يمشي على رجليه ويقال يسرع ويشتد في مشيته فـ { قَالَ يَـا مُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ } يعني: الأشراف من أهل مصر { يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } قال أبو عبيد: يعني يتشاورون في أمرك وقال القتبي يعني: يهمون بك ليقتلوك { فَٱخْرُجْ } من هذه المدينة { إِنّى لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } قوله عز وجل { فَخَرَجَ مِنْهَا } أي من مصر { خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } يعني: ينتظر الطلب { قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني: المشركين { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ } أي بوجهه نحو مدين وذلك أن موسى عليه السلام حين خرج وتوجه نحو مدين وكان بينه وبين مدين ثمانية أيام كما بين الكوفة والبصرة ويقال تلقاء مدين يعني: سلك الطريق الذي تلقاء مدين ويقال لما قال رب نجني من القوم الظالمين استجاب الله تعالى دعاءه فجاءه جبريل عليه السلام وأمره بأن يسير تلقاء مدين فسار إلى مدين في عشرة أيام وهو قوله: { قَالَ عَسَىٰ رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } يعني: يرشدني قصد الطريق إلى مدين.