الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله عز وجل { فَلَمَّا جَاءهَا } يعني: النار ويقال يعني: الشجرة { نُودِىَ أَن بُورِكَ مَن فِى ٱلنَّارِ } يعني: بورك مَنْ عند النار وهو موسى عليه السلام { وَمَنْ حَوْلَهَا } يعني الملائكة عليهم السلام وهو على وجه التقديم يعني فلما جاءها ومن حولها من الملائكة نودي أن بورك من في النار أي عند النار ويقال من في طلب النار أو قصدها والمعنى: بورك فيك يا موسى وقال أهل اللغة: باركه وبارك فيه وبارك عليه واحد وهذا تحية من الله تعالى لموسى عليه السلام ثم قال: { وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ } يعني: قيل له: قل سبحان الله تنزيهاً لله تعالى من السوء ويقال: إنه أي الله في النداء قال فسبحان الله { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وقال بعض المفسرين: كان ذلك نور رب العزة وإنما أراد به تعظيم ذلك النور كما يقال للمساجد بيوت الله تعظيماً لها ثم قال عز وجل: { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ } وذكر عن الفراء أنه قال: هذه الهاء عماد وإنما يراد به وصل الكلام كما يقال: إنما وما يكون للوصل كذلك ها هنا فكأنه قال: يا موسى إني أنا الله { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } ويقال: معناه: إن الذي تسمع نداءه هو الله العزيز الحكيم قوله عز وجل: { وَأَلْقِ عَصَاكَ } يعني: من يدك فألقاها فصارت حية وقد يجوز أن يضمر الكلام إذا كان في ظاهره دليل { فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ } يعني: تتحرك { كَأَنَّهَا جَانٌّ } يعني: حية والجان هي الحية الخفيفة الأهلية فإن قيل: إنه قال في آية أخرى:فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 107] والثعبان الحية الكبيرة فأجاب بعض أصحاب المعاني: إنه كان في كبر الثعبان وفي خفة الجان قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: والجواب الصحيح أن الثعبان كان عند فرعون والجان عند الطور ثم قال: { وَلَّىٰ مُدْبِراً } يعني: أدبر هارباً من الخوف { وَلَمْ يُعَقّبْ } يعني: لم يرجع ويقال: لم يلتفت يقول الله تعالى لموسى { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ } من الحية { إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } يعني: لا يخاف عندي ثم استثنى فقال: { إَلاَّ مَن ظَلَمَ } قال مقاتل: إلا من ظلم نفسه من المرسلين مثل آدم وسليمان وإخوة يوسف وداود وموسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ويقال: إلا من ظلم يعني: لكن من ظلم { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ } أي (فعل إحساناً) بعد إساءته { فَإِنّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال الكلبي: إلا من ظلم يعني (أشرك) فهذا الذي يخاف ثم بدل حسناً يعني: توحيداً بعد سوء يعني: بعد شرك فإني غفور رحيم قال أبو الليث رحمه الله: ويكون إلا على هذا التفسير بمعنى لكن لا وعلى وجه الاستثناء وذكر عن الفراء أنه قال الاستثناء وقع في معنى مضمر من الكلام كأنه قال: لا يخاف لدي المرسلون بل غيرهم الخائف وقال القتبي: هذا لا يصح لأن الإضمار يصح إذا كان في ظاهره دليل ولكن معناه: أن الله تعالى لما قال إني لا يخاف لدي المرسلون علم أن موسى كان مستشعراً خيفة من قبل القبطي فقال: إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإنه يخاف ولكني أغفر له فإني غفور رحيم ويقال: إلا من ظلم يعني: ولا من ظلم ولا يبين ظلمه ثم بدل حسناً بعد سوء فإنه لا يخاف أيضاً ثم قال عز وجل: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } يعني: جيب المدرعة ثم أخرجها { تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } يعني: من غير برص { فِى تِسْعِ ءَايَـٰتٍ } يعني: هذه الآية من تسع آيات كما تقول أعطيت لفلان عشرة أبعرة فيها فحلان أي: منها وقد بين في موضع آخر حيث قال:

السابقالتالي
2