الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } * { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ }

قوله عز وجل: { قَالَ عِفْرِيتٌ مّن ٱلْجِنّ } يعني: ما أراد من الجن والعفريت هو الشديد القوي ويقال العفريت من كل شيء المبالغ والحاذق في أمره { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } يعني في مجلس القضاء وكان قضاؤه إلى إنصاف النهار ويقال: إلى وقت الضحى { وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ } قوله عليه أي: على إتيان السرير القوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر واللؤلؤ وغير ذلك فقال سليمان: أنا أريد أسرع من هذا { قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني: آصف بن برخيا وكان وزيره ومؤدبه في حال صغره وكان يعلم الاسم الأعظم ويقرأ كتاب الله فقال يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت ويقال: هو قوله: يا حي يا قيوم ويقال: يا ذا الجلال والإكرام ويقال: إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبريل عليه السلام وهو قول المعتزلة قال الشيخ الإمام لأنهم لا يرون كرامة الأولياء وأكثر المفسرين على أنه آصف بن برخيا رضي الله عنه قال: { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } يعني: قبل أن ينتهي إليك الذي وقع عليه منتهى بصرك وهو جاءٍ إليك ويقال قبل أن تطرف قال له سليمان: لقد أسرعت إن فعلت ذلك فدعا بالاسم الأعظم فإذا بالسرير قد ظهر بين يدي سليمان { فَلَمَّا رَءاهُ } أي: رأى سليمان السرير { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } أي: موجوداً عنده { قَالَ } سليمان: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِى } يعني: ليختبرني { أَأَشْكُرُ } هذه النعمة { أَمْ أَكْفُرُ } نعم الله تعالى إذا رأيت من دوني هو أعلم مني قال مقاتل: فلما رفع رأسه قال: الحمد لله الذي جعل في أهلي من يدعوه فيستجيب له { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } يعني: يفعل لنفسه لأنه يعود إليه حيث يستجيب المزيد من الله تعالى { وَمَن كَفَرَ } النعم يعني: ترك الشكر { فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ } عن شكر العباد { كَرِيمٌ } في الإفضال على من شكره بالنعمة ويقال كريم لمن شكر من عباده (ويقال لما رأى آصف السرير مستقراً عنده خرج من فضل نفسه ورجع إلى فضل الله ورأى الحول والقوة لله تعالى فقال هذا من فضل ربي لا من فضل نفسي ولو لم يقل من فضل ربي لسقط عن المنزلة أسرع من إتيان السرير حيث قال: أنا آتيك به حيث شهر نفسه بالفضيلة ويقال: انا آتيك به يعني بالله آتيك لا بالمدة والحيلة فأسقط الحول والقوة عن نفسه وسلم الأمر إلى الله فقال هذا من فضل ربي فلما رأى سليمان السرير عنده علم أن هذا ليس من قوة جلسائه إنما هو من صنع ربه) قوله عز وجل { قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } يعني: قال سليمان عليه السلام غيروا لها عرشها عن صورته والتنكير هو التغيير يقال: نكرته فنكر أي: غيرته فتغير وروى الضحاك عن ابن عباس قال: التنكير أن يزاد فيه أو ينقص منه يعني زيدوا في سريرها وانقصوا منه حتى نرى أنها تعرف سريرها أم لا وذلك قوله: { نَنظُرْ أَتَهْتَدِى } يعني: أتعلم أنه عرشها { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } يعني: لا يعلموه يقال: إنه جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه ويقال: إنه إنما أمر بذلك لأن الجن قالوا لسليمان عليه السلام: في عقلها شيء من النقصان فأراد سليمان أن يمتحن عقلها فأمر بأن يغير السرير ويسألها عن ذلك.