الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }

{ قَالَ } سليمان: { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ } في قولك { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } يعني: أم أنت فيها من الكاذبين فكتب كتاباً وقال له { ٱذْهَب بّكِتَابِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } يعني: على ماذا يتفقون ثم تول عنهم يعني: ارجع عنهم ويقال ليس فيها تقديم ومعناه اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم يعني: استأخر في ناحية غير بعيد فانظر ماذا يرجعون أي ماذا يريدون من الجواب قرأ ابن عامر وابن كثير فألقهى إليهم بالياء وبعد الهاء وقرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين وقرأ حمزة وعاصم بالجزم وقرأ نافع فألقه إليهم بكسر الهاء ولا يبلغ الياء وكل ذلك جائز في اللغة والقراءة بالياء أوسع اللغتين. وأكثر استعمالاً قال مقاتل: فجعل الهدهد الكتاب في منقاره ثم طار حتى وقف على رأس المرأة فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها وروي في بعض الروايات أنها كانت نائمة في البيت وقد أغلقت بابها فدخل من الكوة ووضع الكتاب على صدرها ويقال عند رأسها وأكثر الروايات أنه ألقاه في حجرها فقرأت الكتاب قرأت فيه الخاتم فارتعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود لأن ملك سليمان كان في خاتمه فقرأت الكتاب وأخبرتهم بما فيه قال مقاتل: ولم يكن في الكتاب إلا قوله: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } لأن كلام الأنبياء عليهم السلام على الإجمال ولا يكون على التطويل وقال في رواية الكلبي نكتب فيه ان كنتم من الإنس فعليكم بالطاعة وإن كنتم من الجن فقد عبدتم إلى قوله عز وجل { قَالَتْ } أي المرأة { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأ إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } يعني: حسن ويقال كتاب مختوم وروي عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " كرامة الكتاب ختمه " ويقال: كل كتاب لا يكون مختوماً فهو مغلوب ويقال: كان سليمان عليه السلام إذا كتب إلى الشياطين ختمه بالحديد وإذا كتب إلى الجن ختمه بالصفر وإذا كتب إلى الإنس ختمه بالطين وإذا كتب إلى الملوك ختمه بالفضة فجعل ختم كتابها من ذهب ويقال: إن المرأة إنما قالت كتاب كريم لأنها ظنت أنه نزل من السماء فلما نظرت إليه قرأت عنوان ( { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } يعني: عنوانه من سليمان) وأنه يعني: في داخله وأول سطره بسم الله الرحمن الرحيم { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ } أي: لا تتعظموا علي ولا تتطاولوا علي ويقال: لا تترفعوا علي وإن كنتم ملوكاً قوله عز وجل { وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } يعني: مستسلمين خاضعين ويقال يعني: مخلصين منقادين طائعين (قال محمد بن موسى: إنما بدأ سليمان بنفسه لعلمه بأن ذكره على سائر الملوك أعظم من ذكره معبوده فهول عليها بذكر نفسه ثم ذكر) (معبوده فذهب بنفسها وانقادت في مملكتها وإنما خافت من هول سليمان حين آمنت بالله فقالت عند ذلك: رب ظلمت نفسي بعبادة الشمس وما خفت منك فالآن عرفتك وتبت إليك وأنت رب العالمين { قَالَتْ } المرأة) { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } يعني: الأشراف والقادة { أَفْتُونِى فِى أَمْرِى } وكان لها ثلثمائة وثلاثة عشر قائداً تحت يد كل قائد ألف رجل وقد قيل أكثر من هذا أفتوني في أمري يعني: أجيبوني في أمري ويقال بينوا لي أمري وأخبروني ويقال: أشيروا علي { مَا كُنتُ قَـٰطِعَةً أَمْراً } أي: قاضية أمراً ويقال: فاصلة أمراً { حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } يعني: تحضرون أي: لا أقطع أمراً دونكم { قَالُواْ } مجيبين لها { نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } يعني: عدة وكثرة وسلاحاً وقتال شديد { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ } يعني: أخبرناك بما عندنا أيتها الملكة ومع ذلك لا نجاوز ما تقولين يعني: إن أمرتينا بقتال قاتلنا وإن أمرتنا بغير ذلك أطعناك { فَٱنظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ } يعني: ماذا تشيرين إلينا.