الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

ثم قال عز وجل: { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } يعني: طلب الطير وذلك أنه أراد أن ينزل منزلاً فطلب الهدهد { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } وكان رئيس الهداهد وكان سليمان قد جعل على كل صنف منهم رئيساً ثم جعل الكركي رئيساً على جميع الطيور قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة مالي بسكون الياء وقرأ الباقون بنصب الياء وهما لغتان يجوز كلاهما ثم قال: { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَائِبِينَ } يعني: أم صار غائباً لم يحضر بعهد ويقال: الميم للصلة ومعناه: أكان من الغائبين يعني: أصار (من الغائبين) وذكر أن الهدهد كان مهندساً يعرف المسافة التي بينهم وبين الماء ويقال كان يعرف الماء من تحت الأرض ويراه كما يرى من القارورة وروى عكرمة أنه قال: قلت لابن عباس كيف يرى الماء من تحت الأرض وأن صبياننا يأخذونه بالفخ فلا يرى الخيط والشبكة (من تحت التراب) فقال ابن عباس ما ألقى هذه الكلمة على لسانك إلا الشيطان أما علمت أنه إذا نزل القضاء ذهب البصر فدعا سليمان أمير الطير فسأله عن الهدهد فقال: أصلح الله الملك ما أدري أين هو وما أرسلته مكاناً فغضب سليمان عند ذلك وقال: { لأَعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } يعني: لانتفن ريشه فلا يطير مع الطيور حولاً ولأشمسنه في الحر حتى يأكله الذر { أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ } يعني لأقتلنه حتى لا يكون له نسل { أَوْ لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطَـٰنٍ } يعني: بحجة بينة واضحة أعذره بها { مُّبِينٍ } بين فإن قيل: كيف يجوز أن يعاقب من لا يجري عليه القلم قيل له: تجوز العقوبة على وجه التأديب إذا كان منه ذنب كما يجوز للأب أن يؤدب ولده الصغير وأما الذبح فيجوز وإن لم يكن منه ذنب قرأ ابن كثير ليأتينني بنونين وقرأ الباقون بنون واحدة فمن قرأ بنونين فهو للتأكيد لأن النون الأولى مشددة وتسمى تلك نون القسم وهي في الحقيقة نونين والنون الثانية للإضافة ومن قرأ بنون واحدة فقد استقل الجمع بين النونات واقتصر على نونين فأدغم إحداهما في الأخرى.