ثم قال عز وجل: { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } يعني: جعلنا التكذيب بالقرآن { فِى قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني: المشركين مجازاة لهم أن طبع على قلوبهم وسلك فيها التكذيب ويقال: جعل حلاوة الكفر في قلوبهم { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } يعني: بالقرآن ويقال بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } في الدنيا والآخرة { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } يعني يأتيهم العذاب فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } به فيتمنون الرجعة والنظرة { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } فلما وعدهم العذاب قالوا فأين العذاب تكذيباً به يقول الله تعالى: { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } يعني: أبمثل عذابنا يستهزئون ثم قال: { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ } يعني: سنين الدنيا كلها ويقال سنين كثيرة { ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } من العذاب قوله عز وجل: { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } يعني: ما ينفعهم { مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } في الدنيا ثم خوفهم فقال { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } يعني: من أهل قرية فيما خلا { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } يعني: رسلاً ينذرونهم { ذِكْرِى } يعني: العذاب تذكرة وتفكراً قال بعضهم: إن ذكرى في موضع النصب وقال بعضهم: في موضع رفع أما من قال في موضع النصب فيقول لها منذرون يذكرونهم ذكرى يعني: يعظونهم عظة ومن قال أنه في موضع رفع فيقول لها منذرون هم ذكرى { وَمَا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } يعني: بإهلاكنا إياهم ثم قال عز وجل: { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ } روي عن الحسن أنه قرأ وما تنزلت به الشياطون شبههُ بقوله كافرون ومسلمون قال أبو عبيدة وهذا وهم لأن واحدها شيطان والنون فيه أصلية أما مسلمون وكافرون فالنون فيهما زائدة في الجمع لأن واحدهما مسلم وكافر وقال بعضهم: هذا غلط على الحسن لأنه كان فصيحاً لا يخفى عليه وإنما الغلط من الراوي ومعنى الآية أن المشركين كانوا يقولون إن الشيطان هو الذي يقرأ عليه قال الله تعالى رداً لقولهم { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ } { وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ } يعني: وما جاز لهم { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } ذلك وقد حيل بينهم وبين السمع وقد روي عن ابن عباس أنه قال: لا يستطيعون أن يحملوا القرآن ولو فعلوا ذلك لاحترقوا ثم قال عز وجل: { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } يعني: إنهم عن الاستماع لمحجوبون وممنوعون ثم قال: { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } وذلك حين دُعي إلى دين آبائه فأخبر الله تعالى أنه لو اتخذ إلهاً آخر عذبه الله تعالى وإن كان كريماً عليه كقوله{ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65] فكيف بغيره وروي في الخبر أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: أرميا بأن يخبر قومه بأن يرجعوا عن المعصية فإنهم إن لم يرجعوا أهلكتهم فقال أرميا: يا رب إنهم أولاد أنبيائك وأولاد إبراهيم وإسحاق ويعقوب - عليهم السلام - أفتهلكهم بذنوبهم فقال الله تعالى: وإنما أكرمت أنبيائي لأنهم أطاعوني ولو أنهم عصوني لعذبتهم وإن كان إبراهيم خليلي ويقال فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - المراد به غيره لأنه علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتخذ إلهاً آخر ثم قال: { فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } يعني: إن عبدت غيري فتكون من الهالكين.