الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } * { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } * { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

{ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } يعني: تاب من الشرك والمعاصي وعمل صالحاً بعد التوبة { فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } يعني: مناصحاً لا يرجع ويقال متاباً له في الجنة ويقال متاباً يعني: توبة يعني يتوب توبة مخلصة ثم قال: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } يعني: لا يحضرون مجالس الكذب والفحش والكفر { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } يعني: مجالس اللهو والباطل { مَرُّواْ كِراماً } يعني: حُلماء عُلماء معرضين عنها وقال القتبي: مروا كراماً لم يخوضوا فيه وأكرموا أنفسهم ثم قال عز وجل: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ } يعني: وعظوا بالقرآن { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا } يعني: لم يقعوا عليها { صُمّاً وَعُمْيَاناً } يعني: لا يسمعون ولا يبصرون ولكنهم سمعوا وانتفعوا به وهذا قول مقاتل وقال القتبي لم يخروا عليها أي لم يتغافلوا عنها فكأنهم صم لم يسمعوها عمي لم يروها ثم قال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } يعني: اجعل أزواجنا وذريتنا من الصالحين تقر أعيننا بذلك ويقال: وفقهم للطاعة واعصمهم من المعصية ليكونوا معنا في الجنة فتقر بهم أعيننا قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وذريتنا بلفظ الوحدان وقرأ الباقون وذرياتنا بلفظ الجماعة ثم قال: { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } يعني: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون كما قال:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء: 73] أي: قادة في الخير وروي عن عروة أنه كان يدعو بأن يجعله الله ممن يحمل عنه العلم فاستجيب دعاؤه وروي عن مجاهد معناه واجعلنا ممن نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا ويقال: معناه اجعلنا ممن يقتدي بالمتقين ويقتدي بنا المتقون فهذا كله من خصال عباد الرحمن من قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ إلى ها هنا فوصف أعمالهم ثم بين ثوابهم فقال عز وجل: { أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } يعني: غرف الجنة كقوله:غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } [الزمر: 20] { بِمَا صَبَرُواْ } يعني: صبروا على أمر الله تعالى في الدنيا وعلى طاعته { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا } يعني: في الجنة { تَحِيَّةً } يعني: التسليم { وَسَلَـٰماً } يعني: سلام الله تعالى لهم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وإحدى الروايتين عن ابن عباس ويلقون فيها بنصب الياء وجزم اللام والتخفيف وقرأ الباقون ويُلقون بضم الياء ونصب اللام وتشديد القاف فمن قرأ بالتخفيف يعني: يلقي بعضهم بعضاً بالسلام ومن قرأ بالتشديد يعني: يجيء إليهم سلام الله يعني يلقى إليهم السلام من الله تعالى ثم قال عز وجل: { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني: دائمين في الجنة { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } يعني: موضع القرار وموضع الخلود قوله عز وجل: { قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ } يقول: ما يفعل بكم ربي لولا عبادتكم ويقال: ما يفعل بعذابكم لولا عبادتكم غير الله تعالى ويقال: ما ينتظر بهلاككم لولا عبادة من يعبدوني لأنزلت عليكم عذابي ويقال: لولا دعاؤكم يعني: يقول لولا إيمانكم ثم قال عز وجل سبحانه: { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } يعني: عذاباً يلزمهم فقتلوا ببدر وعجلت أرواحهم إلى النار فتلك عقوبتهم فيها ويقال: لزاماً يعني: موتاً وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: خمس قد مضين من ذلك اللزام واللزم والقمر والدخان والبطشة (ويقال ما يحتاج بعذابكم لولا عبادتكم الأصنام ويقال ما يفعل الله بعذابكم لولا عبادتكم غير الله ويقال ما ينتظر بهلاككم لولا عبادة من يعبدني لأنزلت عذابي إلى غير ذلك) والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد.