الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

ثم قال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ } يعني: لا يشركون بالله ويقال: الشرك ثلاثة أولها أن يعبد غير الله تعالى والثاني أن يطيع مخلوقاً بما يأمره من المعصية والثالث أن يعمل لغير وجه الله تعالى فالأول كفر والآخران معصية ثم قال: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: إلا بإحدى خصال ثلاث وقد ذكرناه { وَلاَ يَزْنُونَ } يعني: لا يستحلون الزنا ولا يقتلون النفس { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } يعني: الشرك والقتل والزنا { يَلْقَ أَثَاماً } قال الكلبي يعني: عقاباً في النار وذكر عن سيبويه والخليل أنهما قالا: معناه جزاء الآثام ويقال: الآثام العقوبة وقال الشاعر:
جَزَى الله ابْنَ عُرْوَةَ حِِينَ أَمْسَى   عَقُوقاً فَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
أي: عقوبة ثم قال عز وجل: { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } يعني: في العذاب صاغراً يهان فيه قرأ عاصم يضاعف له بالألف وضم الفاء وقرأ ابن عامر وابن كثير يضعف بغير ألف والتشديد وجزم الفاء وقرأ الباقون يضاعفون بالألف وجزم الفاء وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر ويخلدُ بضم الدال وروى حفص عن عاصم وابن كثير ويخلد بالإشباع والباقون بجزم الدال ثم قال عز وجل: { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ } يعني: تاب من الشرك والزنا والقتل وصدَّق بتوحيد الله تعالى: { وَعَمِلَ صَـٰلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } يعني: مكان الشرك الإيمان ومكان القتل الكف ومكان الزنا العفاف ومكان المعصية العصمة والطاعة ويقال: إنه يبدل في الآخرة مكان عمل السيئات والحسنات وروي عن ابن مسعود أنه قال: إن يوم القيامة إذا أعطى الإنسان كتابه لينظر في كتابه فيرى أوله معاصي وفي الآخر حسنات فلما رجع إلى أول الكتاب رآه كله حسنات وروى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يعرض عليه أصاغر ذنوبه وهو مشفق من الكبائر أن تجيء ذنوبه العظام فإذا أراد به خيراً قيل أعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب إن لي ذنوباً ما أراها هنا " قال: ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك ثم تلا { فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } وذكر عن أبي هريرة أنه قال: خرجت من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألتني امرأة في الطريق فقالت زنيت ثم قتلت الولد فهل لي من توبة فقلت: لا توبة لك أبداً ثم قلت: أفتيتها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا فرجعت إليه فأخبرته بذلك فقال هلكت وأهلكت فأين أنت من هذه الآية { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَر } إلى قوله: { فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } فخرجت وقلت من يدلني على امرأة سألتني مسألة والصبيان يقولون جن أبو هريرة حتى أدركتها وأخبرتها بذلك فسرت وقالت: إن لي حديقة جعلتها لله ولرسوله وقال بعضهم: هذه الآية مدنية نزلت في شأن وحشي وقال بعضهم: الآية قد كانت نزلت بمكة فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى وحشي ثم قال تعالى: { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } يعني: غفوراً لما فعلوا قبل التوبة لمن تاب رحيم [بالمؤمنين] بعد التوبة.