الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } * { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } * { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

قوله عز وجل: { تَبَـٰرَكَ } وقد ذكرناه { ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً } يعني: خلق في السماء بروجاً يعني: نجوماً وكواكب ويقال: قصوراً وذكر أنه جعل في القصور حراساً كما قال في آية أخرىوَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ حَرَساً } [الجن: 8] الآية ويقال: البروج الكواكب العظام وكل ظاهر مرتفع فهو برج وإنما قيل لها بروج لظهورها وارتفاعها ثم قال تعالى: { وَجَعَلَ } يعني: خلق فيها { سِرَاجاً } يعني: شمساً { وَقَمَراً مُّنِيراً } يعني: منوراً مضيئاً قرأ حمزة والكسائي (سُرُجاً) بلفظ الجمع يعني الكواكب وقرأ الباقون (سِرَاجاً) وبه قال أبو عبيدة: بهذا نقرأ كقوله: { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } ولأنه قد ذكر الكواكب بقوله: { بُرُوجاً } ثم قال عز وجل: { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي: خلق الليل والنهار { خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } أي خلفة يخلف كل واحد منهما صاحبه يذهب الليل ويجيء النهار ويذهب النهار ويجيء الليل ويقال: خلفة يعني: مخالفاً بعضه لبعض أحدهما أبيض والآخر أسود فهما مختلفان كقوله عز وجل: { إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } الآية وعن الحسن أنه قال: النهار خلف من الليل لمن أراد أن يعمل بالليل فيفوته فيقضي فإذا فاته بالنهار يقضي بالليل لمن أراد أن يذكر قرأ حمزة (يَذْكُر) بتسكين الذال وضم الكاف يعني: يذكر ما نسي إذا رأى اختلاف الليل والنهار وقرأ الباقون بالتشديد (يَذَّكَّر) وأصله يتذكر يعني: يتعظ في اختلافهما ويستدل بهما { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } يعني: العمل الصالح ويترك ما هو عليه من المعصية ويقال أو أراد شكوراً أو أراد توحيداً وإقراراً فيمكنه ذلك قوله عز وجل: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ } يعني: وإن من عباد الرحمن عباداً يمشون { عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } يعني: يمضون متواضعين وهذا جواب لقولهم وما الرحمن أنسجد فقال الرحمن الذي جعل في السماء بروجاً وهو الذي له عباد مثل هؤلاء يعني أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان مثل حالهم وهذا كقولهجَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } [مريم: 61] وكقوله:فَبَشِّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ } [الزمر: 17] الآية وقال مجاهد: يمشون على الأرض هوناً قال في طاعة الله متواضعين ويقال: هوناً أي هيناً لا جور فيه على أحد ولا أذى ويقال: هوناً يعني: سكينة ووقاراً وحلماً { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ } يعني: كلمهم الجاهلون بالجهل { قَالُواْ سَلاَماً } يعني: سداداً من القول ويقال: ردوا إليهم بالجميل وقال الحسن: أي حلماً لا يجهلون وإن جهل عليهم حلموا وقال الكلبي: نسخت بآية القتال وقال بعضهم: هذا خطأ لأن هذا ليس بأمر ولكنه خير من حالهم والنسخ يجري في الأمر والنهي ثم وصف حال لياليهم فقال عز وجل: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً } يعني: يقومون بالليل في الصلاة سجداً { وَقِيَـٰماً } يعني: يكونون في ليلتهم مرة ساجدين ومرة قائمين وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: من صلى ركعتين أو أربعاً بعد العشاء فقد بات لله ساجداً وقائماً ثم وصف خوفهم فقال إنهم مع جهدهم خائفون من عذاب الله عز وجل ويتعوذون منه فقال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } يعني: عباد الرحمن { رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } يعني: لازماً لا يفارق صاحبه وقال بعض أهل اللغة: الغرام في اللغة أشد العذاب وقال محمد بن كعب القرظي: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) قال سألهم عن النعم فلم يأتوا بثمنها فأغرمهم ثمن النعم وأدخلهم النار ثم قال: { إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } يعني: بئس المستقر وبئس الخلود والمقام الخلود كقوله:

السابقالتالي
2