الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً }

ثم قال عز وجل: { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ } يعني: أهل مكة مروا على القرية { ٱلَّتِى أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } يعني: قريات لوط أمطرنا عليهم الحجارة قوله: { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } يعني: أفلم يبصرونها فيعتبروا بها { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } يعني: بل كانوا لا يخافون البعث ويقال لا يرجون ثواب الآخرة وإنما جاز أن يعبر به عنهما لأن في الرجاء طرفاً من الخوف لأن كل من يرجو شيئاً فإنه يخاف وربما يدرك وربما لا يدرك قوله عز وجل: { وَإِذَا رَأَوْكَ } يعني: أهل مكة { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } يعني: ما يقولون لك إلا سخرية فيما بينهم ويقولون { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } يعني: إلينا وهو قول أبي جهل حين قال لأبي سفيان بن حرب أهذا نبي بني عبد مناف { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } يعني: أراد أن يصرفنا { عَنْ ءالِهَتِنَا } يعني: عن عبادة آلهتنا { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } يعني: ثبتنا على عبادتها لأدخلنا في دينه حكى قولهم ثم بين مصيرهم فقال: { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } يعني: يوم القيامة { مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } يعني: أخطأ طريقاً يعني: تبين لهم أن الذي قلت لهم كان حقاً قوله عز وجل: { أَرَءيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } يعني: اتخذ هوى نفسه إلهاً يعني: يعمل بكل ما يدعوه إليه هواه ويقال: إنهم كانوا يعبدون حجراً فإذا رأوا الجحر أحسن منه تركوا الأول وعبدوا الثاني { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } يعني: أتريد أن تكون بيدك المشيئة في الهدى والضلالة ويقال معناه أفأنت تكون عليه وكيلاً يعني: أتريد أن تكون رباً لهم فتجزيهم بأعمالهم يعني: لست كذلك فأنذرهم فإنما أنت منذر ثم قال عز وجل: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ } يعني: أتظن أنهم يريدون الهدى أو { يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } الهدى { إِنْ هُمْ } يعني: ما هم { إِلاَّ كَٱلأَنْعَـٰمِ } في الأكل والشرب ولا يتفكرون في أمر الآخرة { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } يعني: أخطأ طريقاً من البهائم لأن البهائم ليسوا بمأمورين ولا بمنهيين وقال مقاتل البهائم تعرف ربها وتذكره وكفار مكة لا يعرفون ربهم فيوحدونه قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظّلَّ } قال بعضهم: فيه تقديم ومعناه ألم تر إلى الظل كيف مده ربك وقال بعضهم فيه مضمر ومعناه ألم تر إلى صنع ربك كيف مد الظل يعني: بسط الظل بعد انفجار الصبح إلى طلوع الشمس { وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً } يعني: دائماً كما هو لا شمس معه كما يكون في الجنة ظل ممدود ويقال تلك الساعة تشبه ساعات الجنة إلا أن الجنة أنور { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } حيث ما تكون الشمس يظهر الظل وقال القتبي إنما يكون دليلاً لأنه لو لم تكن الشمس لم يعرف الظل لأن الأشياء تعرف بأضدادها { ثُمَّ قَبَضْنَـٰهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } يعني: الظل بعد غروب الشمس وذلك أن الشمس إذا غابت عاد الظل وذلك وقت قبضه لأن ظل الشمس بعد غروب الشمس لا يذهب كله جملة وإنما يقبض الله ذلك الظل قبضاً خفياً شيئاً فشيئاً دلَّ الله تعالى بهذا الوصف على قدرته ولطفه في معاقبته بين الظل والشمس (لمنافع الناس ولمصالح) عباده وبلاده ويقال ثم قبضناه أي: قبضناه سهلاً ويقال: يسيراً عند طلوع الشمس ثم قبضناه يسيراً يعني: هيناً سهلاً ويقال يسيراً يعني: خفياً فلا يدري أحد أين يصير وكيف يصير ويقال: ثم قبضناه يعني: ورفعناه رفعاً خفيفاً.

السابقالتالي
2