الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } * { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } * { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ } يعني: هلا { نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً } كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السلام ويقول الله تعالى: { كَذٰلِكَ } يعني: هكذا أنزلناه متفرقاً { لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } يعني: ليحفظ ويقوى به قلبك ونفرحك دخل قلبه الغم نزلت عليه آية وآيتان فيفرح بها ويقال: لنثبت به فؤادك يعني ليكون قبوله على المسلمين أسهل لأنه لو أنزلت الأحكام والشرائع كلها جملة واحدة شق على المسلمين قبولها كما شق على بني إسرائيل ويقال: أنزلناه هكذا لنرسخ القرآن في قلبك لكي تحفظ الآية والآيتين ويقال: كذلك أنزلناه لتحكم عند كل حادثة وعند كل واقعة لتقوي به قلبك في ذلك { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } يعني: بيناه تبييناً ويقال شيء رتل ورتيل إذا كان مبيناً وقال مجاهد: ورتلناه ترتيلاً أي بعضه على أثر بعض وروى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك جبريل عليه السلام به في عشرين سنة وهو قوله تعالى: { كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنْزِيلاً } [الإسراء: 106] { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يعني: لا يخاصمونك بمثل مثل قوله: { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَٰحِدَةً } ثم قال: { إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ } يعني: أنزلنا عليك جبريل بالقرآن فتخاصمهم به { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } يعني: وأحسن بياناً لترد به خصومهم ويقال: معناه: ولا يأتونك بحجة إلا بينا لك في القرآن ما فيه نقص لحجتهم وأحسن تفسيراً أي: جواباً لهم ويقال: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بما هو أحسن من مثلهم ويقال كل نبي إذا قال له قومه قولاً كان هو الذي يرد عليهم وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قالوا له شيئاً فالله تعالى هو الذي يرد عليهم ثم أخبرهم بمستقرهم في الآخرة فقال عز وجل: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } يعني: يسحبون على وجوههم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } يعني: منزلاً في النار وضيقاً في الدنيا { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } يعني: أخطأ طريقاً وذلك أن كفار مكة قالوا ما كان محمد وأصحابه أولى بهذا الأمر منا والله إنهم لشر خلق الله فأنزل الله عز وجل: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } وروي في الخبر أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف فصنف على النجائب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم فقيل يا رسول الله: كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على أقدامهم فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم فذلك قوله { أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً }.