الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً }

قول الله سبحانه وتعالى: { تَبَـٰرَكَ } قال ابن عباس رضي الله عنه يعني: تعالى وتعظم قال ابن عباس ويقال: تفاعل من البركة وهذه لفظة مخصوصة ولا يقال يتبارك كما يقال يتعالى ولا يقال متبارك كما يقال متعال ويقال تبارك أي ذو بركة والبركة هي كثرة الخير ويقال: أصله من بروك الإبل ويقال للواحد بارك وللجماعة برك وكان الإنسان إذا كان له إبل كثيرة وقد برك هو على الباب يقولون فلان ذو بركة ويقولون للذي كان له إبل تحمل إليه الأموال من بلاد بعيدة فلان ذو بركة فصار ذلك أصلاً حتى أنه لو كان له مال سوى الإبل لا يقال فلان ذو بركة قال الله تعالى { تَبَـٰرَكَ } أي: ذو البركة ويقال: أصله من الدوام ويقال: بارك في موضوع إذا دام فيه ويقال معناه البركة في اسمه وفي الذي ذكر عليه اسمه ثم قال { ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ } يعني: أنزل جبريل عليه السلام بالقرآن والفرقان هو المخرج من الشبهات { عَلَىٰ عَبْدِهِ } يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم - { لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً } يعني: ليكون الفرقان نذيراً للإنس والجن ويقال: يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: يعني: الله تبارك وتعالى وأرادها هنا جميع الخلق وقد يذكر العام ويراد به الخاص من الناس كقوله عز وجلوَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } [البقرة: 47 و 122] أي: على عالمي زمانهم ويذكر ويراد به جميع الخلائق كقولهرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الفاتحة: 2] ثم قال عز وجل: { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني: خزائن السموات والأرض ويقال: له نفاذ الأمر في السموات والأرض { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } ليورثه ملكه { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } فينازعه في عظمته { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء } كما ينبغي أن يخلقهم { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } يعني: بين الصلاح في كل شيء وجعله مقدراً معلوماً ويقال: كل شي خلقه من الخلق فقدره تقديراً أي: قدر لكل ذكر وأنثى قوله عز وجل: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } يعني: تركوا عبادة الله الذي خلق هذه الأشياء وعبدوا غيره { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا } يعني: عبدوا شيئاً لا يقدر أن يخلق ذباباً ولا غيره { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } يتخذونها بأيديهم { وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً } أي: لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءاً { وَلاَ نَفْعاً } أي: لا تقدر أن تسوق إلى نفسها خيراً ويقال: لا يملكون دفع مضرة ولا جر منفعة { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً } يعني: لا يقدرون أن يميتوا أحداً { وَلاَ حَيَـاةً } أي: ولا يحيون أحداً { وَلاَ نُشُوراً } يعني: بعث الأموات ويقال: ولا يملكون موتاً يعني: الموت الذي كان قبل أن يخلقوا ولا حياة يعني: أن يزيدوا في الأجل ولا نشوراً بعد الموت ويقال: { لاَّ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً } يعني: أن يبقوا أحداً { وَلاَ نُشُوراً } يعني: أن يحيوه بعد الموت وإنما ذكر الأصنام بلفظ العقلاء لأن الكفار يجعلونهم بمنزلة العقلاء فخاطبهم بلغتهم.