الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

قوله عز وجل: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } يعني: نجمعهم { وَمَا يَعْبُدُونَ } يعني: ونحشر ما يعبدون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني: الأصنام ويقال: المسيح وعزير ويقال: الملائكة عليهم السلام { فَيَقُولُ أَءنتُمْ أَضْلَلْتُمْ } يعني: أأنتم أمرتم { عِبَادِى هَـؤُلاَء } أن يعبدوكم { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } يعني: أم هم أخطأوا الطريق فتبرأت الملائكة والأصنام قوله تعالى: { قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ } أي: تنزيهاً لك { مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا } أي: ما يجوز لنا { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء } وقرأ الحسن وأبو جعفر المدني أن (نُتَّخَذَ) بضم النون ونصب الخاء ومعناه ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك إلهاً فيعبد وقراءة العامة بنصب النون وكسر الخاء يعني: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فيعبدوننا ويقال: معناه ما كان فينا روح نأمرهم بطاعتنا ويقال: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء فنعبدهم فكيف نأمر غيرنا بعبادتنا كقوله تعالى:سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [سبأ: 41] قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص ويوم يحشرهم بالياء فيقول بالياء وقرأ ابن عامر كلاهما بالنون وقرأ الباقون الأول بالنون والثاني بالياء ثم قال: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءابَاءهُمْ } يعني: أن هذا كان بكرمك وفضلك حيث لما عصوك لم تمنع عنهم الدنيا حتى اغتروا بذلك وظنوا أنهم على الحق حيث لم يصبهم بلاء ولم تمنع منهم النعمة فذلك قوله تعالى: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } يعني: تركتهم في الدنيا يتمتعون وأجلتهم وآباءهم في المتاع والسعة { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } يعني: تركوا التوحيد والإيمان بالقرآن { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي: هلكى فاسدين وأصله الفساد يقال بارت السوق إذا كسدت وقال الكلبي بوراً يعني: هالكين فاسدة قلوبهم غير متقين ولا محسنين يقول الله تعالى لعبدة الأوثان { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } يعني: الأصنام ويقال الملائكة { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً } يعني: لا يستطيع الكفار انصرافاً إلى غير حجتهم التي تكلموا بها ويقال لا يستطيعون صرفاً أي: إنصرافاً عن حجتهم ولا نصراً يعني: ولا ينتصرون من آلهتهم حين كذبتهم ويقال لا يقدرون يعني الأصنام ولا الملائكة صرف العذاب عنهم ولا نصراً يعني لا يمنعونهم منه ويقال الصرف الحيلة ويقال لا يقبل منهم فدية أن يصرفوا عن أنفسهم بالفدية قرأ عاصم في رواية حفص (فما تستطيعون بالتاء) على معنى المخاطبة يعني يقال لهم: لا تستطيعون صرف ذلك وقرأ الباقون بالياء ومعناه أن الله تعالى يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - فما يستطيعون صرف ذلك عنهم ثم قال تعالى: { وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ } يعني: يشرك بالله في الدنيا ويقال: يكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } في الآخرة وهو عذاب النار.