الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله عز وجل: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ } يعني: أقروا بها وأتموها { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } يعني: أقروا بها وأعطوها { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما يأمركم به من التوحيد والطاعة { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فلا تعذبون قوله عز وجل: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني: فائتين ويقال: سابقين أمر الله تعالى ويقال معناه لا تظن أنهم يهربون منا وأنهم يفوتون من عذابنا { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } يعني: صاروا إليه وبئس المرجع قرأ حمزة وابن عامر (لا يَحْسَبن) بالياء ونصب السين وقرأ الباقون بالتاء بلفظ المخاطبة وكسر السين قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } قال ابن عباس: وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظهيرة ليدعوه فانطلق الغلام ليدعوه فوجده نائماً قد أغلق الباب فأخبر الغلام أنه في هذا البيت فقرع الباب على عمر فلم يستيقظ فدخل فاستيقظ عمر فجلس فانكشف منه شيء فرآه الغلام فعرف عمر أنه قد رآه فقال عمر وددت أن الله تعالى نهى ابناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا علينا هذه الساعة إلا بإذن ثم انطلق معه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } يعني: العبيد والإماء والولاية { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } يعني: وليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم يعني: الاحتلام وهم الأحرار من الغلمان { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } لأنها ساعات غرة وغفلة ثم بين الساعات الثلاث فقال: { مّن قَبْلِ صَـلَـٰةِ ٱلْفَجْرِ } لأن ذلك وقت لبس الثياب { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } أي: وقت القيلولة { وَمِن بَعْدِ صَلَـٰةِ ٱلْعِشَاء } وذلك وقت النوم { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } يعني: ثلاث ساعات وقت غرة أي عورة وغفلة وهن أوقات التجرد وظهور العورة وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية واحدة (ثَلاَثَ) عورات بنصب الثاء وقرأ الباقون بالضم فمن قرأ بالنصب فمعناه ليستأذنكم ثلاث عورات أي: ثلاث ساعات ومن قرأ بالضم معناه هي ثلاث عورات فيكون خبراً عن الأوقات الثلاثة وروى عكرمة أن رجلين من أهل العراق سألا ابن عباس عن قوله: لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فقال ابن عباس إن الله تعالى ستير يحب الستر وكان الناس لم يكن لهم ستور على أبوابهم ولا حجاب في بيوتهم فربما فاجأ الرجل ولده أو خادمه أو يتيم في حجره وهو مع أهله فأمرهم الله تعالى أن يستأذنوا في ثلاث ساعات التي سمى الله تعالى ثم جاء الله باليسر وبسط الرزق عليهم فاتخذوا الستور واتخذوا حجاب فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي قد أمروا به وقد قيل: إن فيه دليلاً أن ذلك الحكم إذا ثبت فإذا زال المعنى زال الحكم وقال مجاهد: الاستئذان هو التنحنح ثم قال تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ } أي: ليس عليكم معشر المؤمنين ولا عليهم يعني الخدم { جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } يعني: بعد الساعات الثلاث { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ } يعني: يتقلبون فيكم ليلاً ونهاراً يدخلون عليكم بغير استئذان في الخدمة { بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي: يدخل بعضكم على بعض بغير إذن { كَذٰلِكَ يُبيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ } يعني: أمره ونهيه في الاستئذان { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بصلاح الناس { حَكِيمٌ } حكم بالاستئذان قوله عز وجل: { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ } يعني: الاحتلام { فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني: الكبار من ولد الرجل وأقربائه معناه: فليستأذنوا في كل وقت كما استأذن الذين من قبلكم يعني: من الرجال { كَذَلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } أي: أمره ونهيه في كل وقت { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بِصَلاَحِكُم { حَكِيمٌ } حكم بالاستئذان.