الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

قوله عز وجل: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس رضي الله عنه هادي أهل السموات وأهل الأرض ويقال هادي أهل السموات والأرض من يشاء وبين ذلك في آخر الآية بقوله: { يَهْدِى لِنُورِهِ مَن يَشَاء } ويقال: معناه الله مُنوِّرُ السموات والأرض وقال ابن عباس بدليل قوله { مَثَلُ نُورِهِ } فأضاف النور إليه وبدليل ما قال في سياق الآيةوَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40] وروي عن أبي العالية أنه قال: معناه الله منور قلوب أهل السموات وقلوب أهل الأرض بالمغفرة والتوحيد يعني من كان أهلاً للإيمان ويقال الله منور السموات والأرض أما السموات فنورها بالشمس والقمر والكواكب وأما الأرض فنورها بالأنبياء والعلماء والعباد - عليهم السلام - ثم قال تعالى: { مَثَلُ نُورِهِ } يعني: مثل نور المعرفة في قلب المؤمن { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } يعني: كمثل كوة فيها سراج ويقال: المشكاة الكوة التي ليست بنافذة وهي بلغة الحبشة وروي في قراءة ابن مسعود مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح ثم وصف المصباح فقال: { ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ } يعني: كمثل سراج في قنديل في كوة فكذلك الإيمان والمعرفة في قلب المؤمن والقلب في الصدر والصدر في الجسد فشبه القلب بالقنديل والماء الذي في القنديل شبه بالعلم والدهن بالرفق وحسن المعاملة وشبه الفتيلة باللسان وشبه النار بالجوف في زجاجة يعني: في قلب مضيء ويقال: إنما شبَّه القلب بالزجاجة لأن ما في الزجاجة يرى من خارجها فكذلك ما في القلب يرى من ظاهره ويبين ذلك في أعضائه ويقال لأن الزجاجة تسرع الكسر بأدنى آفة تصيبها فكذلك القلب بأدنى آفة تدخل فيه فإنه يفسد ثم وصف { ٱلزُّجَاجَةُ } فقال: { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ } يعني: استنار القنديل بصفاء الزجاجة من قرأ بضم الدال فهو منسوب إلى الدر يعني: يشبه في ضوئه الدر ومن قرأ بكسر الدال يعني الذي يدرأ عن نفسه يعني: لا يكاد يقدر النظر إليه من شدة ضوئه قرأ (نافع وابن كثير وعاصم في رواية حفص دري بضم الدال غير مهموز وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وبهمز الياء وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر بالضم والهمز ثم قال تعالى) { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } يعني: السراج يوقد بدهن من شجرة مباركة { زَيْتُونَةٍ } قرأ أبو عمر وابن كثير توقد بنصب التاء والواو والقاف بلفظ التأنيث وأصله تتوقد فحذف إحدى التائين وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي بضم التاء والتخفيف بلفظ التأنيث على فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون توقد بلفظ التذكير والتفسير على معنى فعل ما لم يسم فاعله فمن قرأ بالتأنيث انصرف إلى الزجاجة ومن قرأ بالتذكير انصرف إلى المصباح والسراج ثم وصف الشجرة المباركة فقال: زَيْتُونَةٍ { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } أي: لم تكن بحال تصيبها الشمس في أول النهار وآخره فكذلك هذا المؤمن تكون كلمة الإخلاص في قلبه ثابتة مثل ثبوت الشجرة فلا يكون مشبهياً ولا معطلياً ولا قدرياً ولا جبرياً ولكنه على الاستقامة ويقال لا شرقَية ولا غربية يعني: تكون في وسط الأشجار حتى لا تحرقها الشمس فكذلك هذا المؤمن بين أصحاب صلحاء يثبتونه على الاستقامة وروي عن الحسن أنه قال: ليس هذه من أشجار الدنيا لكن من أشجار الآخرة يعني: أن أشجار الدنيا لا تخلو من أن تكون شرقية أو غربية ولكن هذه من أشجار الآخرة فكذلك هذا المؤمن أصاب المعرفة بتوفيق الله عز وجل قال: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } يعني: أن الزيت في الزجاجة يكاد أن يضيء وإن لم يكن موقداً فكذلك المؤمن يعرف الله تعالى ويخافه ويطيعه وإن لم يكن له أحد يذكره ويأمره وينهاه ثم قال: { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } يعني: الزجاجة نور والسراج نور والزيت نور فكذلك المؤمن اعتقاده نور وقوله نور وفعله نور وقال أبو العالية فهو يتقلب في خمسة أنوار فكلامه نور وعمله نور ومخرجه نور ومدخله نور ومصيره إلى النور يوم القيامة { يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء } يعني: يوفق ويعطي من يشاء يعني: الهدى وللآية وجه آخر الله نور السموات والأرض يعني الله مرسل الرسل لأهل السموات وأهل الأرض مثل نوره يعني: مثل نور محمد - صلى الله عليه وسلم - فسماه نوراً كقوله:

السابقالتالي
2