الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } * { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } يعني: العفائف { ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ } يعني: عن الزنا والفواحش { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي: المصدقات بالألسن والقلوب { لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } وأصل اللعنة هي الطرد والبعد ويقال للشيطان اللعين لبعده عن الرحمة وروي في الخبر أن يوم القيامة تكون هذه الأمة شاهدة على الأمم الأولين إلا الذين تجري على لسانهم اللعنة وروي " عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سمع رجلاً يلعن بعيره فقال أتلعنها وتركبها؟ " فنزل عنها ولم يركبها أحد قوله تعالى: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } أي شديد يوم القيامة وذكر أن حسان بن ثابت ذهب بصره في آخر عمره فدخل يوماً على عائشة فجلس عندها ساعة ثم خرج فقيل لها إن الله تعالى قال: { لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } فقالت عائشة: أوليس هذا أعظم يعني: ذهاب بصره ويقال عذاب عظيم إن لم يتوبوا { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي: بِما تكلموا ثم قال: { يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } يعني: يوفيهم جزاء أعمالهم قرأ حمزة والكسائي يشهد بالياء بلفظ المذكر والباقون بالتاء بلفظ التأنيث لأن الفعل مقدم فيجوز أن يذكر ويؤنث وقرأ مجاهد (الحَقُّ) بضم القاف فيكون الحق نعت لله وتكون قراءة أبي بن كعب شاهدة له كأنه يقول يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم وقراءة العامة الحق بالنصب وإنما يكون نصباً لنزع الخافض أي: يوفيهم الله ثواب دينهم بالحق أي: بالعدل وجه أخر أن يكون الحق نعتاً للدين ويكون كقوله (حَقاً) ثم يدخل عليه الألف واللام قوله تعالى: { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } أي: عبادة الله هي الحق المبين ويقال ما يعلمون أن ما قال الله هو الحق { ٱلْخَبِيثَـٰتُ لِلْخَبِيثِينَ } قال الكلبي: الخبياث من الكلام للخبيثين من الرجال يعني عبد الله بن أبي { وَٱلْخَبِيثُونَ } من الرجال { لِلْخَبِيثَـٰتِ } من الكلام على معنى التكرار والتأكيد ويقال الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال مثل عبد الله بن أبي تكون له زوجة خبيثة زانية وامرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكون زانية خبيثة ويقال: الخبيثات للخبيثين يعني: لا يتكلم بكلام الخبيث إلا الخبيث ولا يليق إلا بالخبيث ويقال الكلمات الخبيثات إنما تلتصق بالخبيثين من الرجال ثم قال: { وَٱلطَّيّبَـٰتُ لِلطَّيّبِينَ } يعني: الطيبات من الكلام للطيبين من الرجال ويقال الطيبات من النساء للطيبين من الرجال { وَٱلطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَـٰتِ } على معنى التكرار والتأكيد ثم قال: { أُوْلَـئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ } يعني: عائشة رضي الله عنها وصفوان مما يقولون من الفرية { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } يعني: رزقاً في الجنة كثيراً ويقال كريم يعني: حسن وذكر ابن عباس أنه دخل على عائشة رضي الله عنها في مرضها الذي ماتت فيه فذكرت ما كان منها من الخروج في يوم الجمل وغيره فقال لها ابن عباس أبشري فإن الله تعالى يقول { لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } والله تعالى ينجز وعده فسري بذلك عنها.