الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } * { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } * { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } * { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

قوله عز وجل: { حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } يعني: أمهلهم وأجلهم حتى إِذا حضر أحدهم الموت وهم الكفار { قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ } يعني: يقول لملك الموت وأعوانه يا سيدي ردني ويقال: يدعو الله تعالى ويقول يا رب ارجعون ويقال إنما قال بلفظ الجماعة لأن العرب تخاطب جليل الشأن بلفظ الجماعة ويقال معناه يا رب مرهم ليرجعوني إلى الدنيا { لَعَلّى أَعْمَلُ صَـٰلِحاً } يعني: خالصاً { فِيمَا تَرَكْتُ } في الدنيا قال الله تعالى { كَلاَّ } وهو رد عليهم يعني أنه لا يرد إلى الدنيا ثم قال { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } يعني: مقولها ولا تنفعه ثم قال: { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } يعني: من بعدهم القبر { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي: والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة ويقال: كل حاجز بين الشيئين فهو برزخ ويقال هو بين النفختين وقال قتادة البرزخ بقية الدنيا وقال الحسن: القبر بين الدنيا والآخرة قوله عز وجل: { فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } يعني: النفخة الأخيرة { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ } يعني: لا ينفعهم { يَوْمَئِذٍ } النسبُ { وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } عن ذلك فهذه حالات لا يتساءلون في موضع ويتساءلون في موضع آخر { فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ } يعني: رجحت حسناته على سيئاته { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } يعني: الناجون من الآخرة { وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } يعني رجحت سيئاته على حسناته { فأُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } يعني: تنفح قال أهل اللغة: النفح واللفح بمعنى واحد إلا أن اللفح أشد تأثيراً وهو الدفع يعني تضرب وجوههم النار { وَهُمْ فِيهَا } يعني في النار { كَـٰلِحُونَ } يعني: كلحت وعبست وجوههم والكلح الذي قد قلصت شفتاه عن أسنانه ونحو ما تُرى من رؤوس الغنم مشوبة إذا بدت الأسنان يعني كلحت وجوههم فلم تلتق شفاههم وقال ابن مسعود كالرأس النضوج ثم قال { أَلَمْ تَكُنْ } يعني يقال لهم ألم تكن { آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني ألم يكن يقرأ عليكم القرآن فيه بيان هذا اليوم وما هو كائن فيه { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ } يعني بالآيات قوله عز وجل { قَالُواْ } يعني إن الكفار قالوا { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } التي كتبت علينا (والتي قدرت علينا) في اللوح المحفوظ { وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ } عن الهدى قرأ حمزة والكسائي شقاوتنا بنصب الشين والألف وقرأ الباقون شِقوتنا بكسر الشين وسكون القاف بغير ألف وروي عن ابن مسعود شقاوتنا وشقوتنا ومعناهما قريب { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا } يعني: من النار { فَإِنْ عُدْنَا } إلى الكفر والتكذيب { فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ قَالَ } أي: فحينئذ يقول الله تعالى { ٱخْسَئُواْ فِيهَا } يعني: اصغروا فيها واسكتوا أي: كونوا صاغرين { وَلاَ تُكَلّمُونِ } أي: ولا تكلمون بعد ذلك قال أبو الليث رحمه الله، حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن أهل النار يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ثم يدعون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين ثم يجيبهم اخسئوا فيها ولا تكلمون فوالله ما نبت بعد هذا بكلمة إلا الزفير والشهيق وروي عن ابن عباس أنه قال: لما قال الله تعالى: اخسئوا فيها ولا تكلمون فإنما بقت أفواههم وانكسرت ألسنتهم فمن الأجواف يعوون عواء الكلب ويقال اخسئوا أي: تباعدوا تباعد سخط يقال خسأت الكلب إذا زجرته ليتباعد ثم بين لهم السبب الذي استحقوا تلك العقوبة به فقال { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ } وهم المؤمنون { رَبَّنَا ءامَنَّا } أي: صدقنا { فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ } قوله عز وجل { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } يعني هزواً { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى } يعني: أنساكم الهزء بهم العمل بطاعتي { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } في الدنيا قرأ عاصم وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو (سِخْرِيا) بكسر السين وكذلك في سورة ص وكانوا يقرؤون في الزخرف بالرفع قالوا لأن في هذين الموضعين من الاستهزاء وهناك في الزخرف من السخرة والعبودية فما كان من الاستهزاء فهو بالكسر وما كان من التسخير فهو بالضم وقرأ حمزة والكسائي ونافع (سُخْرِياً) كل ذلك بالضم وقال أبو عبيد: هكذا نقرأ لأنهن يرجعن إلى معنى واحد وهما لغتان سِخْرِيٌّ وسُخْرِيّ وذكر عن الخليل وعن سيبويه أن كلاهما واحد قوله عز وجل: { إِنِى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ } يعني: جعلت جزاءهم الجنة وهم المؤمنون بما صبروا يعني بصبرهم على الأذى وعلى أمر الله تعالى { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } يعني: الناجون قرأ حمزة والكسائي إِنهم بكسر الألف على معنى الابتداء والمعنى إني جزيتهم ثم أخبر فقال إنهم هم الفائزون وقال أبو عبيد: وقرأ الباقون أنَّهمْ بالنصب أَنِّي جزيتهم لأنهم هم الفائزون وقال أبو عبيد: الكسر أحب إلى علي ابتداء المدح من الله تعالى.