الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قوله عز وجل: { وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني: بقدر طاقتها { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } يعني: وعندنا نسخة أعمالهم التي يعملون وهي التي تكتب الحفظة عليهم { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } يعني: يشهد عليهم بالصدق وقال الكلبي (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) أي: طاقتها فمن لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل قاعداً { وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } وهو الذكر يعني اللوح المحفوظ { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني: لا يزاد في سيآتهم ولا ينقص من حسناتهم { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هَـٰذَا } يعني في غفلة من الإيمان بهذا القرآن ويقال هم في غفلة من هذا الذي وصفنا من كتابة الأعمال { وَلَهُمْ أَعْمَـٰلٌ مّن دُونِ ذٰلِكَ } قال مقاتل: يقول لهم أعمال خبيثة دون الشرك { هُمْ لَهَا عَـٰمِلُونَ } أي: لتلك الأعمال لا محالة التي في اللوح المحفوظ وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ذكر الله تعالى { ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ } ثم قال للكفار: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هَـٰذَا } ثم رجع إلى المؤمنين فقال { وَلَهُمْ أَعْمَـٰلٌ مّن دُونِ ذٰلِكَ } الأعمال التي عددتهم لها عاملون ثم قال عز وجل: { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ } يعني أغنياءهم وجبابرتهم بالعذاب قال مجاهد: يعني بالسيوف يوم بدر وقال الكلبي: بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي: يصيحون ويتضرعون إلى الله تعالى حين نزل بهم العذاب ويقال: يدعون ويستغيثون قول الله تعالى: { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ } يعني: لا تضجوا ولا تتضرعوا اليوم { إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } يعني: من عذابنا لا تمنعون قوله عز وجل: { قَدْ كَانَتْ ءايَـتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي: تقرأ وتعرض عليكم { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ } أي: ترجعون إلى الشرك وتميلون إليه { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي - متعظمين ويقال: تنكصون أي: تقيمون عليه مستكبرين به يعني: بالبيت صار هذا كناية من غير أن يسبق ذكر البيت لأن ذلك البيت كان معروفاً عندهم وقال مجاهد: مستكبرين به أي بمكة بالبلد { سَـٰمِراً } بالليل لجلسائهم { تَهْجُرُونَ } بالقول الذي في القرآن ويقال تهجرون يعني تتكلمون بالفحش وسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - " زُورُوها يعني المقابر ولا تَقُولُوا هُجْراً " يعني: فحشاً وقال القتبي: مستكبرين به يعني: بالبيت العتيق تهجرون به ويقولون نحن أهله سامراً والسمر حديث الليل وقال أهل اللغة: السمر في اللغة ظل القمر ولهذا سمي حديث الليل سمراً لأنهم كانوا يجتمعون في ظل القمر ويتحدثون قرأ نافع (سَامِراً تُهْجِرونَ) بضم التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بنصب التاء وضم الجيم وقال أبو عبيد: هذه القراءة أحب إلينا فيكون من الصدود والهجران كقوله { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ } يعني: تهجرون القرآن ولا تؤمنون به ومن قرأ تهجرون أراد الإفحاش في المنطق وقد فسرها بعضهم على الشرك.