الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } * { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } * { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى عشر آيات وروي عن كعب الأحبار قال: إن الله تعالى لما خلق الجنة قال لها: تكلمي فقالت (قد أفلح المؤمنون) وروي عن غيره أنها قالت: أنا حرام على كل بخيل ومرائي وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا وقوله قد أفلح المؤمنون أي: سعد وفاز ونجا المصدقون بإيمانهم ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال: { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } يعني: متواضعين وقال الزهري سكون المرء في صلاته لا يلتفت يميناً ولا شمالاً وقال الحسن البصري: أي: خائفون وروي عنه أنه قال خاشعون الذين لا يرفعون أيديهم في الصلاة إلا في التكبيرة الأولى وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال الخشوع في الصلاة أن لا تلتفت في صلاتك يميناً ولا شمالاً وذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام في الصلاة رفع بصره إلى السماء فلما نزلت هذه الآية رمى بصره نحو مسجده وروي عن أبي هريرة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه " ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } يعني الحلف والباطل من الكلام تاركون قال قتادة كل كلام أو عمل لا يحتاج إليه فهو لغو ويقال: الذين هم عن الشتم والأذى معرضون كقوله عز وجل:وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } [الفرقان: 72] ثم قال { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ } يعني: مؤدون { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ } عن الفواحش وعن ما لا يحل لهم ثم استثنى فقال { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ } يعني على نسائهم الأربع وذكر عن القراءة أنه قال: على بمعنى من يعني إلا من نسائهم مثنى وثلاث ورباع { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } يعني: الإماء { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } لا يلامون على الحلال { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ } يعني: طلب بعد ذلك ما سوى نسائه وإِمائه { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } يعني المعتدين من الحلال إلى الحرام ويقال: وأُولئك هم الظالمون الجائرون الذين تعمدوا الظلم { وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ } يعني: ما ائتمنوا عليه من أمر دينهم مما لا يطلع عليه أحد ومما يأتمن الناس بعضهم بعضاً (وعهدهم) يعني: وفاء بالعهد راعون يعني: حافظين وأصل الرعي في اللغة القيام على إصلاح ما يتولاه قرأ ابن كثير والذين هم لأماناتهم بلفظ الوحدان وقرأ الباقون بلفظ الجمع يعني: بيع الأمانات ثم قال عز وجل: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يعني على المواقيت يحافظون لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ويتمونها بركوعها وسجودها قرأ حمزة والكسائي على صلاتهم بلفظ الوحدان وقرأ الباقون صلواتهم بلفظ الجماعة ومعناهما واحد لأن الصلاة اسم جنس يقع على الواحد والأكثر فهذه الخصال صفة المؤمنين المخلصين في أعمالهم ثم بين ثوابهم فقال عز وجل { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ } يعني النازلين ثم بين ما يرثون فقال: { ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } وهي البساتين بلغة الروم عليها حيطان ويقال: لم يكن أحد من أهل الجنة إلا وله نصيب في الفردوس لأن هناك كلها بساتين وأشجار ويقال أُولئك هم الوارثون يعني: يرثون المنازل التي للكفار في الجنة وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال الفردوس البستان الحسن { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } يعني: في الجنة دائمون وقال القتبي: حدثني أبو حاتم السجستاني قال كنت عند الأخفش وعنده الثوري فقال: يا أبا حاتم ما صنعت بكتاب المذكر والمؤنث قلت قد عملت شيئاً فقال: ما تقول في الفردوس قلت مذكر قال: فإن الله يقول { هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } قلت أراد الجنة فأنث فقال: يا غافل أما تسمع الناس يقولون أسألك الفردوس الأعلى فقلت يا نائم إنما الأعلى ها هنا أفعل وليس بفعلى.