قوله عز وجل: { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } قرأ أبو جعفر المدني هيهات هيهات كلاهما بكسر التاء قال أبو عبيد قراءتها بالنصب لأنه أظهر اللغتين وأفشاهما وقال بعضهم: قد قُرىء هذا الحرف بسبع قراءات بالكسر والنصب والرفع والتنوين وغير التنوين والسكون وهذه الكلمة يعبر بها عن البعد يعني: بعيداً بعيداً ومعناه أنهم قالوا هذا لا يكون أبداً يعني البعث { لِمَا تُوعَدُونَ } يعني: بَعِيداً بَعيداً لِمَا تُوْعَدُونَ { إِنْ هِىَ } يعني: ما هي { إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } يعني: نحيا ونموت على وجه التقديم ويقال: معناه يموت الآباء وتعيش الأبناء { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } يعني: لا نبعث بعد الموت { إِنْ هُوَ } يعني ما هو { إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } أي: بمصدقين فلما كذبوه دعا عليهم { قَالَ رَبّ ٱنصُرْنِى } يعني: قال هود أعني عليهم بالعذاب { بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ } الله تعالى { عَمَّا قَلِيلٍ } يعني عن قريب وما صلة كقوله{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 159] { لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ } يعني: ليصيرن نادمين فأخبر الله تعالى عن معاملة الذين كانوا من قبل مع أنبيائهم وسوء جزائهم وأذاهم لأنبيائهم ليصبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أذى قومه ثم أخبر عن عاقبة أمرهم فقال تعالى: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ } يعني: العذاب وهو الريح العقيم ويقال: وهي صيحة جبريل عليه السلام { فَجَعَلْنَـٰهُمْ غُثَاءً } يعني: يابساً ويقال: هلكى كالغثاء وهو جمع غثاء وهو ما على السيل من الزبد لأنه يذهب ويتفرق وقال الزجاج: الغثاء البالي من ورق الشجر أي: جعلناه يبساً كيابس الغثاء ويقال: الغثاء النبات اليابس كقوله{ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } [الأعلى: 5] ثم قال: { فَبُعْداً } يعني: سحقاً ونكساً { لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني: بعداً من رحمة الله تعالى قوله عز وجل { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً } يعني: خلقنا من بعدهم قروناً { ءاخَرِينَ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } وفي الآية مضمر ومعناه فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا ما تسبق من أمة يعني: ما يتقدم ولا تموت قبل أجلها طرفة عين { وَمَا يَسْتَأخِرُونَ } بعد أجلهم طرفة عين قوله عز وجل: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَاً } يعني: بعضها على إثر بعض قرأ ابن كثير وأبو عمرو (تترىً) بالتنوين وقرأ حمزة والكسائي بكسر الراء بغير تنوين وقرأ الباقون بنصب الراء وبغير تنوين وهو التواتر قال مقاتل: كلما في القرآن (تَتْراً وَمِدْرَاراً وَأَبَابِيلَ وَمُرْدِفِينَ يعني: بعضها على إثر بعض قال القتبي: أصل تترى وتراً فقلبت الواو تاءً كما قلبوها في التقوى والتخمة وأصلها وتراً والتخمة وأصلها ثم قال عز وجل { كُلَّمَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } بالهلاك الأول فالأول { فَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } أي: أخباراً وعبراً لمن بعدهم ويقال فجعلناهم أحاديث لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم وقال الكلبي: ولو بقي واحد منهم لم يكونوا أحاديث { فَبُعْداً } لِلْهَالِكِ ويقال فسحقاً { لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } يعني لا يصدقون قوله عز وجل: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَـٰرُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } التسع { وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } يعني: بحجة بينة { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } أي: قومه { فَٱسْتَكْبَرُواْ } يعني: تعظموا عن الإيمان والطاعة { وَكَانُواْ قَوْماً عَـٰلِينَ } يعني متكبرين { فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ } يعني أنُصَدق { لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } يعني: خلقين آدميين { وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَـٰبِدُونَ } أي: مستهزئين ذليلين { فَكَذَّبُوهُمَا } يعني: موسى وهارون { فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } يعني: صاروا مغرقين في البحر.