الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } * { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ }

قوله عز وجل: { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ } يعني: يَعْلَمُوا أنَّ السّاعَة { ءاتِيَةٌ } أي: كائنة أي: جاثية { لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي: لا شك فيها عند المؤمنين وعند كل من كان له عقل وذهن { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى ٱلْقُبُورِ } قوله عز وجل: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ } يعني: يخاصم في دين الله عز وجل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بلا بيان وحجة { وَلاَ هُدًى } يعني: ولا دليل واضح من المعقول { وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ } يعني: ولا كتاب منزل مضيء فيه حجة { ثَانِىَ عِطْفِهِ } يعني: لاوى عنقه عن الإيمان وهو على وجه الكِنَايَةِ ومعناه: يجادل في الله بغير علم متكبراً ويقال ثانيَ عطفه أي: معرضاً عنه { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لِيَضِلَّ) بنصب الياء يعني: ليعرض عن دين الله عز وجل والباقون بالضم يعني: ليصرف الناس عن دين الإسلام قال الله تعالى: { لَهُ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ } يعني النضر بن الحارث قتل يوم بدر صبراً { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } يعني: عذاب النار فأخبر الله تعالى أن ما أصابه في الدنيا من الخزي لم يكن كفارة لذنوبه ثم قال عز وجل { ذٰلِكَ } يعني: ذلك العذاب يعني: يقال له يوم القيامة هذا العَذَابُ { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } يعني: بما عملت يداك وذكر اليدين كناية يعني ذلك العذاب بكفرك وتكذيبك { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } يعني: لا يعذب أحداً بغير ذنب قوله عز وجل: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } يعني: على شك وعلى وجه الرياء ولا يريد به وجه الله تعالى ويقال: على شك والعرب تقول: أنت على حرف أي على شك ويقال على حرف: بلسانه دون قلبه وروي عن الحسن قال يعبد الله على حرف أي: على إيمان ظاهر وكفر باطن ويقال على حرف أي: على انتظار الرزق وهذه الآية مدنية نزلت في أناس من بني أسد أصابتهم شدة شديدة فاحتملوا العيال حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغلوا الأسعار بالمدينة { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ } يعني: إن أصابه سعة وغنية وخصب اطمأن به وقال نعم الدين دين محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي: بلية وضيق في المعيشة { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي: رجع إلى كفره الأول وقال: بئس الدين دين محمد { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } أي: غبن الدنيا والآخرة في الدنيا بذهاب ماله وفي الآخرة بذهاب ثوابه ويقال: خسر الدنيا والآخرة لأنه لم يدرك ما طلب من المال وفي الآخرة بذهاب الجنة وروي عن حميد أنه كان يقرأ (خَاسِرَ) بالألف وقراءة العامة خسر بغير ألف { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرٰنُ ٱلْمُبِينُ } يعني: الظاهر البين.