الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

قوله عز وجل: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } قال مقاتل: يعني: دللنا لإبراهيم موضع البيت فبناه مع إسماعيل عليهما السلام ولم يكن له أثر ولا أساس البيت لأن البيت كان أيام الطوفان مرفوعاً قد رفعه الله إلى السماء وهو البيت المعمور وقال الكلبي: وَإِذْ بَوَّأْنَا أي جعلنا لإبراهيم مكان البيت يتكلم فيقول بموضع البيت جعله الله منزلاً لإبراهيم بعث الله تعالى سحابة على قدر البيت فيها رأس يتكلم فيقول: يا إبراهيم ابن على قدري وحيالي فأسس عليها البيت وذهبت السحابة ثم بناه حتى فرغ منه فأوحى الله تعالى إليه { أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً } وقال أبو قلابة: بناه من خمسة أجبل حراء وثبير وطور سيناء ولبنان وجبل أحد وقال الزجاج: وإذ بوأنا أي: جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم والمبوأ المنزل يعني أن الله تعالى علم إبراهيم عليه السلام مكان البيت فبناه على إسه القديم وكان البيت قد رفع إلى السماء قال ويروى أن البيت الأول كان من ياقوتة حمراء.

وروي عن ابن عباس أنه قال: رفع السماء إلى السادسة يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك وهو بحيال الكعبة ثم قال: { وَطَهّرْ بَيْتِىَ } يعني أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: أن طهر بيتي من النجاسات ومن عبادة الأوثان { لِلطَّائِفِينَ } يعني لأجل الطائفين بالبيت من غير أهل مكة { وَٱلْقَائِمِينَ } يعني: المقيمين من أهل مكة { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } يعني: أهل الصلاة بالأوقات من كل وجه. ثم قال الله عز وجل { وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ } يعني: ناد في الناس وذلك أن إبراهيم لما فرغ من بناء الكعبة أمره الله تعالى أن ينادي فصعد إبراهيم على أبي قبيس ونادى يا أيها الناس أجيبوا ربكم إن الله تعالى قد بنى بيتاً وأمركم بأن تحجوه. وقال مجاهد: فقام إبراهيم على المقام فنادى بصوت أسمع من بين المشرق والمغرب يأيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه من أصلاب الرجال لبيك قال: فإنما يحج من أجاب إبراهيم يومئذ ويقال التلبية اليوم جواب الله عز وجل من نداء إبراهيم عن أمر ربه فذلك قوله { يَأْتُوكَ رِجَالاً } يعني: على أرجلهم مشاة { وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ } يعني على الإبل وغيرها فلا يدخل بعيره ولا غيره الحرم إلا وقد ضمر من طول الطريق { يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ } أي: من نواحي الأرض عميق يعني: بعيد. وقال مجاهد: الفج الطريق والعميق البعيد وقال: إن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين. وقال ابن عباس: ما آسى على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشياً لأن الله تعالى قال: { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ } قال الفقيه أبو الليث: هذا إذا كان بيته قريباً من مكة فإذا حج ماشياً فهو أحسن وأما إذا كان بيته بعيداً فالركوب أفضل وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: الراكب أفضل لأن في المشي يتعب نفسه ويسوء خلقه وإن كان الرجل يأمن على نفسه أن يصبر فالمشي أفضل لأنه روي في الخبر أن الملائكة عليهم السلام تتلقى الحاج فيسلمون على أصحاب المحامل ويصافحون أصحاب البعير والبغال والحمير ويعانقون المشاة.