الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }

قوله عز وجل: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } يعني: أهل دينين { ٱخْتَصَمُواْ فِى رَبّهِمْ } يعني: احتجوا في دين ربهم قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه نزلت هذه الآية في الذين بارزوا يوم بدر يعني حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث من المؤمنين رضي الله عنهم وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة من المشركين يعني أن المؤمنين يخاصمون الكفار ويجاهدونهم ويقاتلونهم ثم بين مصير كلا الفريقين بقوله { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وقال مجاهد (هَذَانِ خَصْمَانِ) يعني: المؤمنين والكافرين اختصما في البعث فالكافرون { قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارٍ } والمؤمنون يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وقال عكرمة: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا) أي: اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة: خلقت للرحمة وقالت النار: خلقت للعذاب وروي عن ابن عباس أنه قال: (هَذَانِ خَصْمَانِ) وذلك أن اليهود قالوا كتابنا ونبينا أفضل، وقالت النصارى ونبينا كان يحيى الموتى وهو أفضل من نبيكم فنحن أولى بالله وقال المؤمنون: نحن آمنا بالله وبجميع الأنبياء عليهم السلام وبجميع الكتب وأنتم كفرتم ببعض الرسل وببعض الكتب فديننا أولى من دينكم فنزل { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } الآية وقال هذان خصمان اختصموا ولم يقل اختصما لأن كل واحد من الخصمين جمع قرأ ابن كثير (هَذَانِّ) بتشديد النون والباقون بالتخفيف وفي الآية دليل أن الكفر كله ملة واحدة لأنه ذكر ستة ملل من الأديان ثم قال: هذان خصمان ثم بين مصير كلا الفريقين فقال { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارٍ } أي: جحدوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن هيئت لهم ثياب أي: قُمُصٌ من نار ويقال: نحاس { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ ٱلْحَمِيمُ } قال مقاتل: يضرب الملك رأسَه بالمقمع فيثقب رأسه ثم يصب من فوق رؤوسهم الحميم الذي قد انتهى حَرُّهُ { يُصْهَرُ } بِهِ يعني: يذاب به { مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } يعني: تنضح الجلود فتسلخ { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } يضرب بها هامتهم { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ } يعني: من الغم والشدة التي أدركته ضرب بمقمعة من حديد فيهوي بها كذلك فذلك قوله: { أُعِيدُواْ فِيهَا } أي: ردوا إليها { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي: المحرق يعني يقال لهم ذوقوا عذاب النار وهذا الجزاء لأحد الخصمين ثم بين جزاء الخصم الآخر فقال عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا } يعني: يلبسون في الجنة { مِنْ أَسَاوِرَ } يعني: اقلبه { مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } قرأ نافع وعاصم في رواية حفص ولؤلؤاً بالهمز والنصب وقرأ عاصم في رواية أبي بكر هكذا إلا أنه لم يهمز الواو الأولى وقرأ الباقون بالهمز والكسر فمن قرأ بالكسر فلأجل مِنْ ومن قرأ بالنصب فمعناه يحلون لؤلؤاً نصب لوقوع الفعل عليه وهو اختيار أبي عبيد ثم قال: { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } أي في الجنة قوله عز وجل: { وَهُدُواْ إِلَى ٱلطَّيّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } يعني: أرشدوا ويقال دعوا إلى قول التوحيد لا إله إلا الله ويقال القرآن { وَهُدُواْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْحَمِيدِ } يعني: الطريق المحمود في أفعاله وهو دين الإسلام.