الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَذَا النُّونِ } يعني: واذكر ذا النون يعني ذو السمكة وهو يونس بن متى - عليه السلام - { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } يعني: مصارعاً من قومه ويقال كان ضيق الصدر سريع الغضب وذلك أنه لما دعا قومه إلى الله تعالى كذبوه فأخبرهم بأن العذاب نازل بهم فأتاهم العذاب فأخلصوا لله تعالى بالدعاء فصرف عنهم وكان يونس اعتزلهم ينتظر هلاكهم فسأل بعض من مر عليه من أهل تلك المدينة فلما علم أنهم لم يهلكوا أنف أن يرجع إليهم مخافة أن ينسب إلى الكذب وَيُعَيَّرَ به وذهب مغاضباً يعني: أنفاً قال القتبي: غضب وأنف بمعنى واحد لقربهما وقال بعضهم: إنما غضب على الملك وذلك أن ملكاً من الملوك يقال له ابن تغلب غزا بني إسرائيل ونزل أيام عافيتهم أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يسمى شعياء أن ائت حَزْقِيا الملك ومره ليبعث نبياً قوياً أميناً وكان في ملكه خمسة من الأنبياء فجاء شعياء إلى حزقيا وأخبره بذلك فدعى الملك يونس بن متى وأمره بأن يخرج فأبى أن يخرج وقال إن في بني إسرائيل أنبياء أقوياء غيري فعزم عليه الملك ليخرج فخرج وهو كاره فغضب على الملك فوجد قوماً قد شحنوا سفينتهم فقال لهم أتحملونني معكم فعرفوه فحملوه فلما شحنت السفينة بهم وأسرعت في البحر انكفأت وغرقت بهم فقال ملاحوها يا هؤلاء إن فيكم رجلاً عاصياً وإن السفينة لا تفعل هذا من غير ريح إلا وفيكم رجل عاصي فاقترعوا فخرج بينهم يونس - عليه السلام - فقال التجار نحن أولى بالمعصية من نبي الله ثم أعادوا الثانية والثالثة فخرج سهم يونس فقال يا هؤلاء أنا والله العاصي قال فتلفف في كسائه وقام على رأس السفينة فرمى بنفسه فابتلعته السمكة فذلك قوله تعالى: { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } يعني: لن يقدر عليه العقوبة ويقال إن ذنبه لم يبلغ الذي نقدر عليه العقوبة ويقال ظن أنا لن نضيق عليه الحبس كقولهفَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [الفجر: 16] أي: ضيق وقرأ بعضهم { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } بالتشديد فهو من التقدير وقراءة العامة بالتخفيف { فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } يعني: في ظلمات ثلاث ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ } أي: ليس أحد له سجن كسجنك { سُبْحَـٰنَكَ } إني تبت إليك { إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لنفسي قال الله تعالى { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ } يعني: غم الماء في بطن الحوت ويقال من غم الذنب وقد بقي في بطن الحوت أربعين يوماً ويقال أقل من ذلك ثم قال: { وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ } قرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر في إحدى الروايتين نُجِّي بنون واحدة وتشديد الجيم وقال الزجاج: هو لحن لأن فعل ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل وإنما كتب في المصحف بنون واحدة لأن الثانية تخفى مع الجيم وقال أبو عبيدة والذي عندنا أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية أحدهما أنه يريد ننجي مشددة كقوله (وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ) ثم يدغم النون الثانية في الجيم والآخر معناه نجي نجاة المؤمنين قال: هذه القراءة أحب إلي لأن المصاحف كلها كتبت بنون واحدة وهكذا رأيت في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه وقرأ الباقون (ننجي المؤمنين) بنونين