الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } * { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله عز وجل: { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } يعني: دروع الحديد وذلك أن داود خرج يوماً متنكراً ليسأل عن سيرته في مملكته فقال جبريل: نعم الرجل هو لولا أن فيه خصلة واحدة قال: وما هي قال: بلغني أنه يأكل من بيت المال وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كد يده فرجع داود عليه السلام وسأله الله عز وجل أن يجعل رزقه من كدّ يديه فألان له الحديد وكان يتخذ منها الدروع ويبيعها ويأكل من ذلك فذلك قوله: (وعلمناه) يعني: ألهمناه ويقال علمناه بالوحي صنعة اللبوس لكم { لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ } يعني: يمنعكم قتال عدوكم قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالتاء لتحصنكم وقرأ عاصم في رواية أبي بكر لنحصنكم بالنون بدليل قوله وعلمناه وقرأ الباقون بالياء للفظ التذكير يعني: ليحصنكم الله عز وجل ويقال: يعني اللبوس ومن قرأ بالتاء فهو كناية عن الصنعة واختار أبو عبيد بالتاء لتحصنكم لأن اللبوس أقرب إليه ثم قال: { فَهَلْ أَنتُمْ شَـٰكِرُونَ } اللفظ لفظ الاستفهام يعني اشكروا وارث هذه النعم ووحدوه قوله عز وجل: { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } قرأ عبد الرحمن (الريحُ) بضم الحاء على معنى الابتداء وقراءة العامة (الريحَ) بالنصب ومعناه: وسخرنا لسليمان الريح { عَاصِفَةً } يعني: قاصفة شديدة وقال في موضع آخر:تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَآءً } [ص: 36] يعني: لبنة فإنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد { تَجْرِى بِأَمْرِهِ } يعني: تسير بأمر الله عز وجل ويقال: بأمر سليمان { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } بالماء والشجر { وَكُنَّا بِكُلّ شَىْء عَـٰلِمِينَ } يعني: من أمر سليمان وغيره قوله عز وجل: { وَمِنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ } يعني: سخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } من البنيان وغيره { وَكُنَّا لَهُمْ حَـٰفِظِينَ } من أن يهيجوا أحداً في زمانه ويقال يحفظهم أن لا يفسدوا ما عملوا ويقال: وكنا لهم حافظين ليطيعوا سليمان ولا يعصوه قوله عز وجل: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } يعني: أذكر أيوب عليه السلام روي في الخبر أن أيوب كان بمنزلة الملك وهو أيوب بن مرضي النبي عليه السلام - وكانت له أموال من صنوف مختلفة وكانت له ضياع كثيرة وكان له ثلثمائة زوج نيران وغلمان يعملون له في ضياعة وأموال السوائم من الغنم والإبل والبقر وكان متعبداً ناسكاً منفقاً متصدقاً فحسده إبليس عدو الله وقال: إن هذا يذهب بالدنيا والآخرة وأراد أن يفسد عليه إحدى الدارين أو كلتيهما فسأل الله تعالى وقال: إن عبدك أيوب يعبدك لأنك أعطيته السعة في الدنيا ولولا ذلك لم يعبدك قال الله تعالى إني أعلم منه أنه يعبدني ويشكرني وإن لم يكن له سعة في الدنيا فقال يا رب سلطني عليه فسلطه على كل شيء منه إلا على روحه وجاء إبليس إلى غنمه كهيئة النار وضرب عليها فأهلك جميع غنمه فجاءت رعاته فأخبروه بالقصة فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال هو الذي أعطى وهو الذي أخذ وهو أحق به ويقال إنه أحرق غنمه ورعاته فجاء إبليس على هيئة راع من رعاته فأخبره بذلك فقال له أيوب لو كان فيك خيراً لهلكت مع أصحابك ثم جاء إلى إبله وبقره ففعل مثل ذلك ثم جاء إلى زرعه كهيئة النار فأفسد جميع زرعه فأخبر بذلك فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وقال هو الذي أعطى وهو الذي أخذ وهو أحق به وكان له سبعة بنين وثلاث بنات ويقال سبعة بنين وسبعة بنات في بيت فجاء إبليس عليه اللعنة فهدم البيت عليهم فماتوا كلهم فذكر ذلك لأيوب فحمد الله تعالى وأثنى عليه على ذلك ولم يجزع وقال هو الذي أعطى ثم أخذ.

السابقالتالي
2 3