الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ }

{ ولقد منَّنا عليك مرة أخرى } يعني قد أكرمتك بكرامات قبل هذا من غير أن تسألني ثم بين له الكرامات والنعم فقال { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ } أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم (أي: ألهمنا أمك ما ألهمت ويقال ما يوحى على الحجر يعني كان إلهاماً ولم يكن وحياً) { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ } يعني اجعلي موسى في التابوت ثم { فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمّ } يعني اطرحيه في البحر { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } يعني شاطىء البحر { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّى وَعَدُوٌّ لَّهُ } يعني: آل فرعون { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى } يعني: ألقيت محبتي عليك فكل من رآك أحبك { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى } يقول ما يصنع بك على منظر مني وبعلمي وبإرادتي { إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ } لآل فرعون { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } يعني: أرشدكم على من يكفله يعني يضمه ويحوطه ويرضعه { فَرَجَعْنَـٰكَ إِلَىٰ أُمّكَ كَى تَقَرَّ عَيْنُها } يعني رددناك إليها لتطيب نفسها { وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَـٰكَ مِنَ ٱلْغَمّ } يعني من القود { وَفَتَنَّـٰكَ فُتُوناً } يعني ابتليناك ببلاء بعد بلاء ويقال بنعمة على إثر نعمة قال أخبرني الثقة بإسناده عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى لموسى { وَفَتَنَّـٰكَ فُتُوناً } فسألته عن الفتون ما هو فقال استأنف النهار يا ابن جبير فإن له حديثاً طويلاً فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس ليخبرني ما وعدني من حديث الفتون فقال ابن عباس تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً فقال بعضهم إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون فيه قال فرعون فكيف ترون فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشقار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه ففعلوا فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون وأن الصغار يذبحون قالوا: يوشك أن يفني بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي يكفونكم فاقتلوا عاماً ودعوا (أي اتركوا) عاماً لا تقتلوا منهم أحداً فنشأ الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانيةً حتى إذا كان من قابل حملت بموسى فوقع في قلبها من الحزن والهم ما لا يعلم فذلك من الفتون يا ابن جبير فأدخل عليه في بطن أمه ما يراد به فأوحى الله تعالى إليها أنْ { لا تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وأمرها إذا هي - ولدته أن تجعله في التابوت ثم تلقيه في اليم فلما ولدته فعلت ما أُمرت به حتى إذا توارى عنها ابنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها ما فعلت يا بني لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيته بيدي إلى دواب البحر تأكله فانطلق به الماء حتى رقا به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون فرأينه وأخذنه فهممن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن لبعض إن في هذا مالاً وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه - فحملنه كهيئته حتى دخلن به عليها فدفعنه إليها فلما فتحنه ونظرت فإذا فيه غلام فألقى عليه منها محبة لم يلق مثلها على أحد قط من البشر وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً من ذكر كل شيء إلا ذكر موسى فلما سمع الذباحون بذكره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت للذباحين اصبروا علي فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل ولا ينقص حتى آتي فرعون فأستوهبه إياه فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم أنهكم فلما أتت فرعون به قالت قرة عيني لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا (أو نتخذه ولداً) فقال فرعون يكون لك فأما لي فلا حاجة لي فيه فقال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

السابقالتالي
2 3 4 5 6