الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } * { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } * { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى }

ثم قال عز وجل { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } يعني: عن القرآن والرسل ولم يؤمن وقال مقاتل: من أعرض عن الإيمان { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } يعني: معيشة ضيقة روي عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري أنهما قالا (معيشة ضنكا) يقول: عذاب القبر وروى أبو سلمة عن أبي هريرة " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال «عذاب القبر " { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } أي: أعمى عن الحجة وقال ابن عباس وذلك حين يخرج من القبر يخرج بصيراً فإذا سيق إلى المحشر عمي قال عكرمة رحمه الله في قوله { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ } قال: عمي قلبه عن كل شيء إلا جهنم وقال الضحاك في قوله (معيشة ضنكاً) قال: الكسب الخبيث وقيل: معيشة سوء لأنه في معاصي الله وقال السدي (معيشة ضنكاً) أي: عذاب القبر حين يأتيه الملكان وقال قتادة: الضنك الضيق يقول ضنكاً في النار قوله عز وجل: { قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ } قال مجاهد: (لم حشرتني أعمى) لا حجة لي { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } بالحجة في الدنيا ويقال (لم حشرتني أعمى) أي: أعمى العينين { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } في الدنيا { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا } يعني: الرسل والقرآن فنسيتها وتركت العمل بها ولم تؤمن بها { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي: تترك في النار (ويقال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي: تعلمت القرآن فنسيته وتركته وقال السدي: وكذلك اليوم تنسى أي: تترك في النار وتترك عن الخير) ثم قال عز وجل: { وَكَذٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ } يعني: هكذا نعاقب من أشرك بالله { وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ } يعني وأدوم قوله عز وجل { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } يعني: أفلم يتبين لقومك { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } يعني: يمرون على منازلهم { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ } يعني: في هلاكهم لعبرات { لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } يعني: لعبرات لذوي العقول من الناس { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } وهذا مقدم ومؤخر يقول ولولا كلمة سبقت بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى أجل مسمى أي: إلى يوم القيامة أي: لكان لزاماً أي: لأخذتهم بالعذاب كما أخذت من كان قبلهم من الأُمم عند التكذيب ولكن نؤجلهم إلى يوم القيامة وهو أجل مسمى وقال القتبي: معناه: ولولا أن الله عز وجل جعل الجزاء يوم القيامة وسبقت بذلك كلماته لكان العذاب ملازماً لا يفارقهم وقال: في الآية تقديم أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان العذاب لازماً.