الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الشفاعة { وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً } يعني: إذا قال بإخلاص القلب لا إله إلا الله في الدنيا { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الآخرة { وَمَا خَلْفَهُمْ } من أمر الدنيا { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } أي لا يدركون علم الله تعالى { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } قال قتادة: ذلت الوجوه { لِلْحَىّ ٱلْقَيُّومِ } وقال القتبي: أصله من عنيته أي حبسته ومنه قيل للأسير (عان) وقال الزجاج رحمه الله عنت أي: خضعت يقال عنا يعنو أي: خضع { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } أي خسر من حمل شركاً ثم قال { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } يعني: من يعمل من الطاعات ومن للصلة والزينة { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } مع عمله لأن العمل لا يقبل بغير إيمان { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } قال قتادة: أي: لا يزداد في سيآته ولا ينقص من حسناته أي لا يهضم قال السدي رحمه الله الظلم أن يأخذ لما لم يعمل والهضم النقصان من حقه قال القتبي ومنه قيل هضيم الكشحين أي ضامر الجنبين وهضمني الطعام أي أمرأني ويهضمني حقي قرأ ابن كثير فلا يخاف على معنى النهي والباقون فلا يخاف على معنى الخبر ثم قال عز وجل { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } يعني: هكذا أنزلنا عليك جبريل ليقرأ عليك القرآن على لغة العرب وبينا في القرآن من أخبار الأُمم الماضية وما أصابهم بذنوبهم { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يعني: لكي يتقوا الشرك { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } يعني: يحدث الوعيد بهذا القرآن أو هذا القرآن لهم اعتباراً فيذكر به عذاب الله للأُمم فيعتبروا وهذا قول مقاتل ويقال: أو يحدث لهم ذكراً أي: يحدث الوعيد بذكر العذاب فيزجرهم عن المعاصي ويقال { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } أي: شرفاً والذكر الشرف ثم قال عز وجل { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } يعني ارتفع وتعظم عن الشريك والولد { ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } أهل الربوبية ويقال { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } يعني: ارتفع وتعظم من أن يزيد في سيآت أحد وينقص من حسنات أحد الملك الحق الذي يعدل بين الخلق ثم قال { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } وذلك أن جبريل عليه السلام كان إذا قرأ القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعجل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءته قبل أن (يختم جبريل تلاوته مخافة أن لا يحفظ فنزل) { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ } أن يفرغ جبريل - عليه السلام - من قراءته فيكون في الآية تعليم حفظ الأدب وهو الاستماع إلى من يتعلم منه وهذا مثل قوله { لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } روى جرير بن حازم عن الحسن أن رجلاً لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما القصاص قبل أن ينزل القرآن فنزل { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ } الآية أي: لا تعجل بالقصاص من قبل أن يقضى عليك بالقرآن ونزل قوله عز وجل { ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاءِ } قال وكان الحسن يقرأ { مِن قَبْلِ إِنَّ يَقْضِى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } بالنصب يعني من قبل أن ينزل إليك جبريل بالوحي وقراءة العامة { يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } بالرفع على فعل ما لم يسم فاعله ومعنى القراءتين واحد ثم قال: { وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً } يعني: زدني علماً بالقرآن معناه زدني فهماً في معناه.