الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم مكة لعمرة القضاء وخرجت معه أسماء بنت أبي بكر فجاءتها أمها قتيلة وجدها أبو قحافة فسألا منها حاجة فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنكما لستما على ديني فاستأمرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } أي يوفق من يشاء لدينه. فإن قيل قد قال في آية أخرىوَإِنَّكَ لَتَهْدِىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] وقال ها هنا: { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } أي يوفق قيل ما يشاء إنما أراد به هناك الدعوة وها هنا أراد به الهدى خاصة وهو التوفيق إلى الهدى. ثم قال تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ } يعني ما تنفقوا من مال فثوابه لأنفسكم إذا تصدقتم على الكفار أو على المسلمين وروي عن عمر بن الخطاب أنه رأى رجلاً من أهل الذمة يسأل على أبواب المسلمين فقال: ما أنصفناك أخذنا منك الجزية ما دمت شاباً ثم ضيعناك بعدما كبرت وضعفت فأمر بأن يجرى عليه قوته من بيت المال. ثم قال تعالى { وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَاء وَجْهِ ٱللَّهِ } يعني لا تنفقوا إلا ابتغاء ثواب الله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } [أي يوف ثوابه] إليكم. { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } أي لا تنقصون من ثواب أعمالكم وصدقاتكم فيكون ما الأولى بمعنى الشرط وما الثانية [للجحود] وما الثالثة للخبر ثم بين موضع الصدقة فقال تعالى: { لِلْفُقَرَاء ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني النفقة والصدقة للفقراء الذين حبسوا أنفسهم في طاعة الله وهم أصحاب الصفة كانوا نحواً من أربعمائة رجل جعلوا أنفسهم للطاعة وتركوا الكسب والتجارة قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي ٱلأَرْضِ } أي لا يستطيعون الخروج إلى السفر في التجارة { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ } قرأ حمزة وعاصم وابن عامر: (يحسبهم) بنصب السين في جميع القرآن وقرأ الباقون: بالكسر وتفسير القراءتين واحد يعني يظن الجاهل بأمرهم وشأنهم [أنهم] { أَغْنِيَاءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } لأنهم يظهرون أنفسهم للناس باللباس وغيره كأنهم أغنياء ويتعففون عن المسألة قوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } يعني إلحاحاً قال ابن عباس - رضي الله عنه - لا يسألون الناس إلحاحاً ولا غير إلحاح ويقال: أصله من اللحاف لأن السائل إذا كان ملحاً فكأنه يلصق بالمسؤول فيصير كاللحاف [يلتصق] وجعل ذلك كناية عنه. ثم قال تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } يعني عليم بما أنفقتم ويقال: هذا على معنى التحريض فكأنه يقول: عليكم بالفقراء الذين أحصروا في سبيل الله [وقال بعضهم: هذا على معنى التعجب فكأنه يقول: عجباً للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله] ويقال: أنه رد إلى أول الآية وما أنفقتم من نفقة للفقراء الذين أحصروا ثم قال تعالى { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ }.

السابقالتالي
2