فقال عز وجل: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } يقول: لا خالق ولا رازق ولا معبود إلا هو. ويقال: الإثبات إذا كان بعد النفي فإنه يكون أبلغ في الإثبات فلهذا قال: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فبدأ بالنفي ثم استثنى الإثبات فيكون ذلك أبلغ في الإثبات { ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } يقول: الحي الذي لا يموت ويقال: الحي الذي لا بدىء له يعني لا ابتداء له { ٱلْقَيُّومُ } يعني القائم على كل نفس بما كسبت ويقال: القائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم ورزقهم ومعنى القائم: هو الدائم. { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } روي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - أنه قال: السنة والنوم كلاهما واحد ولكنه أول ما يدخل في الرأس يقال له سنة ويكون بين النائم واليقظان فإذا وصل إلى القلب صار نوماً ويقال: معناه: أنه ليس بغافل عن أمور الخلق فيكون النوم على وجه الكناية. وقال بعضهم هو على ظاهره أنه مستغن عن النوم. وروي في بعض الأخبار أن موسى بن عمران - عليه السلام - حين رفع إلى السماء سأل بعض الملائكة أينام ربنا؟ وقال بعضهم: خطر ذلك بقلبه، ولم يتكلم به فأمره الله تعالى أن يأخذ زجاجتين [وأمره بأن يحفظهما ثم ألقى عليه النوم فلم يملك نفسه حتى نام فانكسرت الزجاجتان] في يده فقال له: يا موسى لو كان لي نوم لهلكت السموات والأرض أسرع من كسر الزجاجتين في يدك فذلك قوله تعالى: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ } { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كلهم عبيده وإماؤه وهو مستغن عن الشريك ويقال: معناه أن كل ما في السموات والأرض يدل على وحدانيته { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ } يقول: من ذا الذي يجترىء أن يشفع عنده { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } دون أمره رداً لقولهم حيث قالوا: هم شفعاؤنا عند الله. وفي الآية دليل على إثبات الشفاعة لأنه قال: { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ففيه دليل على أن الشفاعة قد تكون بإذنه للأنبياء والصالحين { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني الله لا إله إلا هو الحي القيوم هو الذي يعلم ما بين أيديهم من أمر الدنيا يعني يعلم أن الأصنام لا يدعون الألوهية { وَمَا خَلْفَهُمْ } يعني يعلم أنه لا شفاعة لهم. وقال مقاتل: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني ما كان قبل خلق الملائكة { وَمَا خَلْفَهُمْ } [أي ما يكون بعد خلقهم] وقال الزجاج: يعني يعلم الغيب الذي [تقدمهم والغيب الذي يأتي من بعدهم. وقال الكلبي: يعلم ما بين أيديهم من أمر الآخرة وما] خلفهم من أمر الدنيا. ثم قال: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } يعني الملائكة لا يعلمون الغيب لأن بعض الناس يعبدون الملائكة ويرجون شفاعتهم فأخبر أنهم لا يملكون شيئاً ولا يعلمون مما تقدمهم ولا مما بعدهم إلا بما أنبأهم الله تعالى.