{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } الذين أنزلنا عليك خبرهم في القرآن { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في الدنيا. ويقال: التفضيل يكون على ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون دلالة نبوته أكثر. والثاني: أن تكون أمته أكثر. والثالث: أن يكون بنفسه أفضل ثم بين تفضيلهم فقال: { مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } [مثل] موسى - عليه السلام - { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ } يعني إدريس - عليه السلام - كما قال تعالى:{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [مريم: 57] وقال الزجاج: جاء في التفسير أنه أراد محمداً - صلى الله عليه وسلم - لأنه أرسله إلى الناس كافة وليس شيء من الآيات التي أعطاها الله الأنبياء - عليهم السلام - إلا والذي أعطى محمداً - صلى الله عليه وسلم - أكثر لأنه قد كلمته الشجرة وأطعم من كف من التمر خلقاً كثيراً وأمر يده على شاة أم معبد فدرت لبناً كثيراً بعد الجفاف ومنها انشقاق القمر فذلك قوله:{ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الأنعام: 165] يعني - محمداً صلى الله عليه وسلم -. { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } يعني العجائب والدلائل وهو: أن يحيـي الموتى بإذنه ويبرىء الأكمه والأبرص { وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } يعني أعناه بجبريل حين أرادوا قتله: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ } أي ما اختلف الذين { مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } التي أتاهم بها موسى وعيسى - عليهما السلام - وقال الزجاج: يحتمل وجهين: ولو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة ويحتمل ولو شاء الله اضطرهم إلى أن يكونوا مؤمنين كما قال تعالى{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [الأنعام: 35] (ولكن اختلفوا) في الدين فصاروا فريقين: { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ } بالكتاب والرسل { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } وجعلهم على أمر واحد { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أي يعصم من يشاء من الاختلاف ويخذل من يشاء فلا مرد لأمره ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.