الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

ثم قال { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ }. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: (ليس البر) بنصب الراء على معنى خبر ليس. وقرأ الباقون: بالرفع على معنى اسم ليس. من قرأ بالرفع فهو الظاهر في العربية لأن ليس يرفع الاسم الذي بعده بمنزلة كان وأما من قرأ بالنصب فإنه يجعل الاسم ما بعده ويجعل (البر) خبره. وتفسير الآية: قال مقاتل: في قوله { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ } أي ليس البر أن تحولوا وجوهكم في الصلاة { قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } لا تعملوا غير ذلك { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ } يعني صدق بالله بأنه واحد لا شريك له. قرأ نافع وابن عامر (ولكن البر) بكسر النون وضم الراء... وقرأ الباقون: (ولكن البر) بنصب النون مشددة وبنصب الراء. ويقال: معناه ليس البر كله في الصلاة ولكن البر ما ذكر في هذه الآية من العبادات. ثم اختلفوا في معنى قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ } قال بعضهم معناه ولكن ذو البر من آمن بالله. وقال بعضهم: معناه ولكن البر بر من آمن بالله وكلا المعنيين ذكرها الزجاج في كتابه. وقال بعضهم ليس البار من يولي وجهه إلى المشرق والمغرب ولكن البار من آمن بالله { وَالْيَوْمِ الآخِرِ }. ثم ذكر في هذه الآية خمسة أشياء من الإيمان فمن لم يقر بواحدة منها فقد كفر. أحدها: الإيمان بالله تعالى أنه واحد لا شريك له والتصديق باليوم الآخر وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال وأنه كائن وأن أهل الثواب يصلون إلى الثواب وأهل العقاب يصلون إلى العقاب (والتصديق) بالكتاب أنه منزل من الله تعالى القرآن وسائر الكتب: التوراة والإنجيل والزبور ويقر بالملائكة أنهم عبيده ويقر بالنبيين أنهم رسله وأنبياؤه فهذه الخمس من الإيمان فمن جحد واحدة منها فقد كفر. ثم ذكر الفضائل فقال تعالى { وَءَاتَىٰ ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } يعني يعطي المال على شهوته وجوعه وهو شحيح يخشى الفقر، ويأمل العيش. ويقال: على حبه الإعطاء بطيبة من نفسه يعطي { ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } يعني الضيف النازل { وَٱلسَّائِلِينَ } الذين يسألون الناس { وَفِي ٱلرّقَابِ } يعني المكاتبين. وقد قيل: (ابن السبيل) هو المنقطع من ماله. ثم ذكر الفرائض فقال تعالى { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ } المكتوبة { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } المفروضة { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـٰهَدُواْ } فيما عاهدوا فيما بينهم وبين الله تعالى وفيما بينهم وبين الناس { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَاء وٱلضَّرَّاء وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } أي بالبأساء وهي شدة الفقر [البأس] قال القتبي: يعني الفقر وهو من البؤس والضراء المرض والزمانة { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } يعني يصبرون عند الحرب. وقال القتبي: البأس: الشدة ومنه يقال: لا بأس عليك يعني لا شدة عليك فلهذا سمي [الحرب البأس] لأن فيه شدة.

السابقالتالي
2