الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ }

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } يعني يبني إبراهيم القواعد، يعني أساس البيت، أي الكعبة. والقواعد جماعة واحدها قاعدة { وَإِسْمَـٰعِيلُ } يعني إِسماعيل يعينه. قال مقاتل: وفي الآية تقديم وتأخير، معناه وإذ يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت. ويقال: إن إبراهيم كان يبني البيت وإسماعيل يعينه، والملائكة يناولون الحجر من إسماعيل، وكانوا ينقلون الحجر من خمسة أجبل: طور سيناء وطور زيتاء، والجودي، ولبنان، وحراء. فلما فرغا من البناء، قالا { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } يعني أعمالنا { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي السميع لدعائنا بنياتنا. وفي الآية دليل: أن الإنسان إذا عمل خيراً ينبغي أن يدعو الله بالقبول ويقال: ينبغي أن يكون خوف الإنسان على قبول العمل بعد الفراغ أشد من شغله بالعمل لأن الله تعالى قالإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27]. وروي في الخبر أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لما فرغا من البناء جثيا على الركب وتضرعا وسألا القبول فقال جبريل لإبراهيم: قد أجيب لك، فاسأل شيئاً آخر فقالا { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي مخلصين لك. ويقال: واجعلنا مثبتين على الإسلام ويقال مطيعين لك ويقال أمتنا على الإسلام { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي اجعل بعض ذريتنا من يخلص لك، ويثبت على الإسلام ثم قال { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } أي علمنا أمور مناسكنا. وقال القتبي: الرؤية المعاينة كقوله عز وجل:وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [الزمر: 60]، وقوله:وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ } [الإنسان: 20]. ويقال تذكر الرؤية ويراد بها العلم. كقوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } [الأنبياء: 30] وكقوله { أَرِنَا مَنَاسِكَنَا }: أي [عملنا]. وكقوله { لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ }. قرأ ابن كثير ومن تابعه من أهل مكة (وأرنا) بجزم الراء في جميع القرآن، والباقون بكسر الراء، وهما لغتان والكسر أظهر وأفصح. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ } أي مطيعين وموحدين { وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } أي جماعة موحدة مطيعة لك. ويقال: أشكل عليهما موضع البيت، فبعث الله تعالى سحابة فقالت له: ابن بخيالي، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت بحيال السحابة. ثم قال تعالى { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } { وَتُبْ عَلَيْنَا } أي تجاوز عنا الزلة { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } بعبادك. { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ } { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ } قال مقاتل: لأن إبراهيم علم أن في ذريته من يكون كفاراً، فسأل الله تعالى أن يبعث فيهم رسولاً فقال { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ } [يعني القرآن] { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي القرآن { وَٱلْحِكْــمَةَ } أي مواعظ القرآن من الحلال والحرام. ويقال: علم التفسير. { وَيُزَكّيهِمْ } أي يطهرهم من الكفر والشرك. ويقال: يأمرهم بالزكاة ليطهر أموالهم. قال مقاتل: استجاب الله دعاءه في سورة الجمعة. وهو قوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [الجمعة: 2] وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى - عليهما السلام - " وهي قوله:وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } [الصف: 6] ثم قال تعالى: { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي المنيع الذي لا يغلبه شيء ويقال: العزيز الذي لا يعجزه شيء عما أراد. ويقال: العزيز بالنقمة، ينتقم ممن عصاه متى شاء، الحكيم في أمره الذي يكون عمله موافقاً للعلم.