الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } * { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } * { كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً } * { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } * { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً }

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا } يعني: بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { وَقَالَ لأُوتَيَنَّ } يعني لأعطين { مَالاً وَوَلَدًا } في الجنة روى أسباط عن السدي أن خباب بن الأرت كان صائغاً يعمل للعاص بن وائل حلياً فجاء يسأله أجره فقال له العاص أنتم تزعمون أن لنا بعثة وجنة وناراً فإذا كان يوم القيامة فإني سأوتى مَالاً وَوَلداً وأعطيك منه فنزل { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } في الجنة قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو مَالاً وَوَلَدًا بفتح اللام والواو في كل القرآن غير أن أبا عمرو قرأ في سورة نوح بالضم وهكذا روي عن مجاد وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو وجزم اللام من ها هنا إلى آخر السورة والتي في الزخرف والتي في سورة نوح وقال أبو عبيد إنما قرأ هكذا لأنهما جعلا الوُلْد غير الوَلَد فيقال الوُلْد جماعة الأهل والوَلَد واحد وقال الزجاج: الوُلْد مثل أسد وأُسْد وجائز أن يكون الوَلد بمعنى الولد قال أبو عبيد والذي عندنا في ذلك أنهما لغتان والذي نختاره منهما بفتح اللام والواو قال الله عز وجل رداً على الكافرين { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ } يقول أنظر في اللوح المحفوظ { أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } يعني: أعقد عند الله عقد التوحيد وهو قول لا إله إلا الله ويقال أعهد إليه أن يجعل له في الجنة { كَلاَّ } وهو رد عليه لا يعطي له ذلك واعلم أنه ليس في النصف الأول كلا وأما النصف الثاني ففيه نيف وثلاثون موضعاً ففي بعض المواضع في معنى الرد للكلام الأول وفي بعض المواضع للتنبيه في معنى الافتتاح وفي بعض المواضع يحتمل كلا الوجهين فأول ذلك أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً كَلاَّ تم الكلام عنده أي كلا لم يطلع الغيب ولم يتخذ عهداً ثم ابتدأ { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ } من ذلك قوله { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلاَّ } لا يقتلونك وأما الذي هو للتنبيه في معنى الافتتاح قوله عز وجلحَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [التكاثر:2- 3] وقوله عز وجل سنكتب ما يقول من الكذب يعني: سنحفظ ما يقول { وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ } يعني: نزيد له من العذاب مداً يعني بعضه على إثر بعضٍ { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } يعني نعطيه غير ما يقول في الجنة ونعطي ما يدعي لنفسه لغيره { وَيَأْتِينَا فَرْداً } يعني وحيداً بغير مال ولا ولد { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } يعني منعة في الآخرة { كَلاَّ } رد عليهم أي لا يكون لهم منعة. وتم الكلام ثم قال { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ } يعني: الآلهة يجحدون عبادتهم { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } يعني الآلهة تكون عوناً عليهم في العذاب ويقال عدواً لهم في الآخرة ومن هذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " من طلب رضا المخلوق في معصية الخالق عاد الحامد له ذاماً " كما أن المشركين طلبوا العز من الآلهة فصارت الآلهة عوناً عليهم في العذاب فوجدوا ضد ما طلبوا منه.