الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

{ وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال بعضهم: أي داخلها المؤمن والكافر يدخلون على الصراط وهو ممدود على متن جهنم ويقال (وَإِنْ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) يعني الكفار الذين تقدم ذكرهم وروى سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أن نافع بن الأزرق خاصم ابن عباس وقال لا يردها مؤمن فقال ابن عباس أما أنا وأنت فسندخلها فانظر بماذا نخرج منها إن خرجنا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال يرد الناس جميعاً الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل الريح ومنهم من يمر مثل الطير ومنهم من يمر كأجود الخيل ومنهم من يمر كأجود الإبل ومنهم من يمر كعدو الرجل حتى أن آخرهم مثل رجل نوره على إبهامي قدميه ثم يتكفأ به الصراط والصراط دحض مزلة كحد السيف عليه حسك كحسك العتاد وحافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس فبين مارٍ ناج وبين مخدوش مكدوش في النار والملائكة عليهم السلام يقولون رب سلم سلم وروى سفيان عن ثور بن خالد بن معدان قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا أَلَمْ يَعِدْنا رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ قال إنكم قد مررتم بها وهي خامدة فذلك قوله عز وجل { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني: الخلائق على الصرط والصراط في جهنم { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } يعني قضاء واجباً قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مندوست قال: حدثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا عدي بن عاصم قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا جرير عن أبي السليل عن غنيم بن قيس عن أبي العوام قال: قال كعب هل تدرون ما قوله { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قالوا: ما كنا نرى ورودها إلا دخولها قال لا ولكن ورودها أن يجاء بجهنم كأنها متن أهالة حتى إذا استوت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد خذي أصحابك وذري أصحابي فتخسف بكل ولي لها وهي أعلم بهم من الوالد لولده وينجو المؤمنون نديَّة ثيابهم قال: وحدثني الثقة بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية كبا لها الناس كبوةً شديدة وحزنوا حتى بلغ الحزن كل مبلغ وليس أحداً إلا وهو يدخلها فأنشأوا يبكون قال ونزل بابن مظعون ضيف فقال لامرأته هيئي لنا طعاماً فاستوصي بضيفك خيراً حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهى إليه وهم يبكون فقال ما يبكيكم قالوا نزلت هذه الآية { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } يقول: كائناً لا يبقى أحد إلا دخلها فأنشأ عثمان بن مظعون يبكي ثم انصرف إلى منزله باكياً فلما أتى منزله سمعت امرأته بكاءه فأنشأت تبكي فلما سمع الضيف بكاءهما أنشأ يبكي فلما دخل عليهما عثمان قال لها: ما يبكيك قالت سمعت بكاءك فبكيت فقال للضيف: وأنت ما يبكيك قال عرفن أن الذي أبكاكما سيبكيني قال عثمان فابكوا وحق لكم أن تبكوا أنزل الله عز وجل اليوم على رسوله { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } فمكثوا بعد هذه الآية سنتين ثم قال عز وجل { ثُمَّ نُنَجّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } وروي في بعض الأخبار أنه نزل بعد ثلاثة أيام (ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشرك والمعاصي { وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } يعني: المشركين جميعاً فيها ففرح المسلمون بها قرأ الكسائي ننجي بالتخفيف والباقون بالنصب والتشديد نجا ينجي ونجا ينجي بمعنى واحد.